الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (58) قوله تعالى : ذلك نتلوه : يجوز أن يكون "ذلك " مبتدأ و "نتلوه " الخبر ، و "من الآيات " حال أو خبر بعد خبر ، ويجوز أن يكون "ذلك " منصوبا بفعل مقدر يفسره ما بعده ، فالمسألة من الاشتغال و "من الآيات " حال أو خبر مبتدأ مضمر أي : هو من الآيات ، ولكن الأحسن الرفع بالابتداء ، لأنه لا يحوج إلى إضمار ، وعندهم : "زيد ضربته " أحسن من "زيدا ضربته " ، ويجوز أن يكون "ذلك " خبر مبتدأ مضمر ، يعني : الأمر ذلك ، و "نتلوه " على [ ص: 217 ] هذا حال من اسم الإشارة ، و " من الآيات " حال من مفعول " نتلوه " ويجوز أن يكون "ذلك " موصولا بمعنى الذي ، و "نتلوه " صلة وعائد ، وهو مبتدأ خبره الجار بعده ، أي : الذي نتلوه عليك كائن من الآيات أي : المعجزات الدالة على نبوتك ، جوز ذلك الزجاج وتبعه الزمخشري ، وهذا مذهب الكوفيين ، وأما البصريون فلا يجيزون أن يكون اسم من أسماء الإشارة موصولا إلا "ذا " خاصة بشروط تقدم ذكرها ، ويجوز أن يكون "ذلك " مبتدأ ، و "من الآيات " خبره ، و "نتلوه " جملة في موضع نصب على الحال ، والعامل معنى اسم الإشارة . و "من " فيها وجهان ، أظهرهما : أنها تبعيضية ؛ لأن المتلو عليه عليه السلام من قصة عيسى بعض معجزاته وبعض القرآن ، وهذا وجه واضح . والثاني : أنها لبيان الجنس ، وإليه ذهب ابن عطية وبه بدأ ، قال الشيخ : "ولا يتأتى ذلك هنا من جهة المعنى إلا بمجاز ، لأن تقدير " من "البيانية بالموصول ليس بظاهر ، إذ لو قلت : " ذلك نتلوه عليك الذي هو الآيات والذكر الحكيم "لاحتجت إلى تأويل ، وهو أن يجعل بعض الآيات والذكر آيات وذكرا وهو مجاز .

                                                                                                                                                                                                                                      والحكيم صيغة مبالغة محول من فاعل كضريب من ضارب ، ووصف الكتاب بذلك مجازا ، لأن هذه الصفة في الحقيقة لمنزله والمتكلم به فوصف بصفة من هو من سببه وهو الباري تبارك وتعالى ، أو لأنه ناطق بالحكمة أو لأنه أحكم في نظمه ، وجوزوا أن يكون بمعنى مفعل أي : محكم لقوله تعالى : [ ص: 218 ] كتاب أحكمت آياته إلا أن فعيلا بمعنى مفعل قليل قد جاءت منه أليفاظ قالوا : عقدت العسل فهو عقيد ومعقد ، واحتبست الفرس في سبيل الله فهو حبيس ومحبس .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله : نتلوه التفات من غيبة إلى تكلم ، لأنه قد تقدمه اسم ظاهر ، وهو قوله : والله لا يحب الظالمين كذا قاله الشيخ ، وفيه نظر ، إذ يحتمل أن يكون والله لا يحب الظالمين جيء بها اعتراضا بين أبعاض هذه القصة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : نتلوه فيه وجهان ، أحدهما : أنه وإن كان مضارعا لفظا فهو ماض معنى أي : ذلك الذي قدمناه من قصة عيسى وما جرى له تلوناه عليك كقوله : واتبعوا ما تتلو الشياطين ، والثاني : على بابه لأن الكلام بعد لم يتم ، ولم يفرغ من قصة عيسى عليه السلام إذ بقي منها بقية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية