الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ودل على جهلهم وفضل العلم الرباني وحقارة ما [ ص: 357 ] أوتي قارون من المال والعلم الظاهر الذي أدى إليه باتباعه قوله : وقال الذين وعظم الرغبة في العلم بالبناء للمفعول إشارة إلى أنه نافع بكل اعتبار [وباعتبار الزهد ، وبالتعبير عن أهل الزهد به] فقال : أوتوا العلم أي : من قومه ، فشرفت أنفسهم عن إرادة الدنيا علما بفنائها ، زجرا لمن تمنى مثل حاله ، وشمرا إلى الآخرة لبقائها : ويلكم أي : عجبا لكم ، أو حل بكم الشر حلولا ، وأصل ويل ، "وي" ، قال الفراء : جيء بلام الجر بعدها مفتوحة مع المضمر نحو وي لك ، ووي له ، أي : عجبا لك وله ، ثم خلط اللام بوي لكثرة الاستعمال حتى صارت كلام الكلمة فصار معربا بإتمامه ثلاثيا ، فجاز أن يدخل بعدها لام أخرى في نحو ويلا لك ، لصيرورة الأول لام الكلمة ، ثم نقل إلى باب المبتدأ فقيل : ويل لك ، وهو باق على ما كان عليه في حال النصب إذ الأصل في ويل لك : هلكت ويلا ، أي : هلاكا فرفعوه بعد حذف الفعل نفضا لغبار الحدوث ، وقيل : أصل ويل الدعاء بالهلاك ، ثم استعمل في الزجر والردع والبعث على ترك ما لا يرتضى كما استعمل لا أبا لك - وأصله الدعاء على الرجل - في الحث على الفعل ، فكأنهم قالوا : ما لنا يحل بنا الويل؟ فأخبروهم بما ينبغي معرضين [ ص: 358 ] عما استحقوا به الويل من التمني ، تحقيرا لما استفزهم حتى قالوه فقالوا : ثواب الله أي : الجليل العظيم خير أي : من هذا الحطام ، ومن فاته الخير حل به الويل; ثم بينوا مستحقه تعظيما له وترغيبا للسامع في حاله فقالوا : لمن آمن وعمل أي : تصديقا لإيمانه صالحا ثم بين سبحانه عظمة هذه النصيحة وعلو قدرها بقوله مؤكدا لأن أهل الدنيا ينكرون كونهم غير صابرين : ولا يلقاها أي : لا يجعل لاقيا لهذا الكلمات أو النصيحة التي قالها أهل العلم ، أي : عاملا بها إلا الصابرون أي : على قضاء ربهم في السراء والضراء ، والحاملون أنفسهم على الطاعات الذين صار الصبر لهم خلقا ، وعبر بالجمع ترغيبا في التعاون إشارة إلى [أن] الدين لصعوبته لا يستقل به الواحد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية