الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا .

وأوحى عطف على فقضاهن .

والوحي : الكلام الخفي ، ويطلق الوحي على حصول المعرفة في نفس من يراد حصولها عنده دون قول ، ومنه قوله تعالى حكاية عن زكرياء فأوحى إليهم أي أومأ إليهم بما دل على معنى : سبحوا بكرة وعشيا . وقول أبي داود :


يرمون بالخطب الطوال وتارة وحي الملاحظ خيفة الرقباء

ثم يتوسع فيه فيطلق على إلهام الله تعالى المخلوقات لما تتطلبه مما فيه صلاحها كقوله وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا أي جبلها على إدراك ذلك وتطلبه ، ويطلق على تسخير الله تعالى بعض مخلوقاته لقبول أثر قدرته كقوله إذا زلزلت الأرض زلزالها إلى قوله بأن ربك أوحى لها .

والوحي في السماء يقع على جميع هذه المعاني من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازاته ، فهو أوحى في السماوات بتقادير نظم جاذبيتها ، وتقادير سير [ ص: 251 ] كواكبها ، وأوحى فيها بخلق الملائكة فيها ، وأوحى إلى الملائكة بما يتلقونه من الأمر بما يعملون ، قال تعالى وهم بأمره يعملون وقال يسبحون الليل والنهار لا يفترون .

وأمرها بمعنى شأنها ، وهو يصدق بكل ما هو من ملابساتها من سكانها وكواكبها وتماسك جرمها والجاذبية بينها وبين ما يجاورها . وذلك مقابل قوله في خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها .

وانتصب ( أمرها ) على نزع الخافض ، أي بأمرها أو على تضمين أوحى معنى قدر أو أودع .

ووقع الالتفات من طريق الغيبة إلى طريق التكلم في قوله وزينا السماء الدنيا بمصابيح تجديدا لنشاط السامعين لطول استعمال طريق الغيبة ابتداء من قوله بـ الذي خلق الأرض في يومين مع إظهار العناية بتخصيص هذا الصنع الذي ينفع الناس دينا ودنيا وهو خلق النجوم الدقيقة والشهب بتخصيصه بالذكر من بين عموم وأوحى في كل سماء أمرها ، فما السماء الدنيا إلا من جملة السماوات ، وما النجوم والشهب إلا من جملة أمرها .

والمصابيح : جمع مصباح ، وهو ما يوقد بالنار في الزيت للإضاءة وهو مشتق من الصباح لأنهم يحاولون أن يجعلوه خلفا عن الصباح . والمراد بالمصابيح النجوم ، استعير لها المصابيح لما يبدو من نورها .

وانتصب ( حفظا ) على أنه مفعول لأجله لفعل محذوف دل عليه فعل زينا ، والتقدير : وجعلناها حفظا . والمراد : حفظا للسماء من الشياطين المسترقة للسمع . وتقدم الكلام على نظيره في سورة الصافات .

التالي السابق


الخدمات العلمية