الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) لم يبين هنا هل قال لهم ذلك قبل خلق آدم أو بعد خلقه ؟ وقد صرح في سورة " الحجر " و " ص " بأنه قال لهم ذلك قبل خلق آدم . فقال في " الحجر " : ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ الآية 28 ، 29 ] ، وقال في سورة " ص " : ( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) [ الآية 71 ، 72 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( إلا إبليس أبى واستكبر ) لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه ، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله : ( قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ 7 \ 12 ] ، وقوله : ( قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ) [ 15 \ 33 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه

                                                                                                                                                                                                                                      مثل قياس إبليس نفسه على عنصره ، الذي هو النار وقياسه آدم على عنصره ، الذي هو الطين واستنتاجه من ذلك أنه خير من آدم . ولا ينبغي أن يؤمر بالسجود لمن هو خير منه ، مع وجود النص الصريح الذي هو قوله تعالى : ( اسجدوا لآدم ) يسمى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار . وإليه الإشارة بقول صاحب " مراقي السعود " : [ الرجز ]

                                                                                                                                                                                                                                      والخلف للنص أو إجماع دعا فساد الاعتبار كل من وعى

                                                                                                                                                                                                                                      فكل من رد نصوص الوحي بالأقيسة فسلفه في ذلك إبليس ، وقياس إبليس هذا لعنه الله باطل من ثلاثة أوجه : الأول : أنه فاسد الاعتبار ; لمخالفة النص الصريح كما تقدم قريبا .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أنا لا نسلم أن النار خير من الطين ، بل الطين خير من النار ; لأن طبيعتها الخفة والطيش والإفساد والتفريق ، وطبيعته الرزانة والإصلاح فتودعه الحبة [ ص: 34 ] فيعطيكها سنبلة ، والنواة فيعطيكها نخلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا أردت أن تعرف قدر الطين فانظر إلى الرياض الناضرة ، وما فيها من الثمار اللذيذة ، والأزهار الجميلة ، والروائح الطيبة تعلم أن الطين خير من النار .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن النار خير من الطين ، فإنه لا يلزم من ذلك أن إبليس خير من آدم ; لأن شرف الأصل لا يقتضي شرف الفرع ، بل قد يكون الأصل رفيع الفرع وضيعا ، كما قال الشاعر : [ البسيط ]

                                                                                                                                                                                                                                      إذا افتخرت بآباء لهم شرف     قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر : [ المتقارب ]

                                                                                                                                                                                                                                      وما ينفع الأصل من هاشم     إذا كانت النفس من باهله



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية