الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 335 ] 3- باب: ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة النساء وهي ست وعشرون

ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف اتفق العلماء على أن الوصي الغني لا يحل له أن يأكل من مال اليتيم شيئا ، وقالوا: معنى قوله: فليستعفف أي: بمال نفسه عن مال اليتيم ، فإن كان فقيرا فلهم في المراد بأكله بالمعروف أربعة أقوال: أحدها: أنه الاستقراض منه ، روى حارثة بن مضرب ، قال: سمعت عمر ، يقول: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة اليتيم إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت أكلت بالمعروف ثم قضيت .

[ ص: 336 ] " أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو طاهر الباقلاوي ، قالا: أبنا أبو علي بن شاذان ، قال: أبنا أحمد بن كامل ، قال: أبنا محمد بن سعد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " فليأكل بالمعروف ، قال: يستقرض منه فإذا وجد ميسرة فليقض ما يستقرض ، فذلك أكله بالمعروف أخبرنا عبد الوهاب ، قال: أبنا أبو طاهر ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن ، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين ، قال: أبنا آدم ، قال: أبنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال: " يأكل بالمعروف: يعني: سلفا من مال يتيمه .

وهذا القول مذهب عبيدة السلماني ، وأبي وائل ، وسعيد بن جبير ، وأبي العالية ، ومقاتل ، وقد حكى الطحاوي ، عن أبي حنيفة مثله ، وروى يعقوب بن حيان ، عن أحمد بن حنبل مثله [ ص: 337 ] القول الثاني: أن الأكل بالمعروف أن يأكل من غير إسراف .

" أخبرنا ابن الحصين ، قال: أبنا ابن غيلان ، قال: أبنا أبو بكر الشافعي ، قال: أبنا إسحاق بن الحسن ، قال: أبنا موسى بن مسعود ، قال: أبنا الثوري ، قال: أبنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ، قال: ما سد الجوع ، ويواري العورة .

وقد روى عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه قال: الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم ، ولا يلبس عمامة .

وقال الحسن ، وعطاء ، ومكحول : يأخذ ما يسد الجوع ، ويواري العورة ، ولا يقضي إذا وجد ، قال عكرمة والسدي : يأكل بأطراف أصابعه ، ولا يسرف في الأكل ولا يكتسي منه ، وهذا مذهب قتادة .

[ ص: 338 ] والقول الثالث: أنه يقول: مال اليتيم بمنزلة الميتة ، يتناول منه عند الضرورة ، فإذا أيسر قضاه وإن لم يوسر فهو في حل ، قاله الشعبي .

وأخبرنا عبد الوهاب ، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي ، وقال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن ، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين ، قال: أبنا آدم ، قال: أبنا ورقاء ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: " يأكل والي اليتيم من مال اليتيم قوته ، ويلبس منه ما يستره ، ويشرب فضل اللبن ، ويركب فضل الظهر ، فإن أيسر قضاه ، وإن أعسر كان في حل .

فهذه الأقوال الثلاثة تدل على جواز الأخذ عند الحاجة ، وإن اختلف أربابها في القضاء .

القول الرابع: أن الأكل بالمعروف أن يأخذ الولي بقدر أجرته إذا عمل لليتيم عملا ، وروى القاسم بن محمد : أن رجلا أتى ابن عباس ، فقال: ليتيم لي إبل فما لي من إبله ؟ ، قال: إن كنت تلوظ حياضها ، وتهنأ جرباها ، وتبغي ضالتها ، وتسعى عليها ، فاشرب غير ناهك بحلب ولا ضار بنسل .

[ ص: 339 ] " أخبرنا عبد الوهاب ، قال: أبنا أبو طاهر ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن ، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين ، قال: أبنا آدم ، قال: أبنا ورقاء ، عن ابن نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال: " يضع يده مع أيديهم ، ويأكل معهم بقدر خدمته وقدر عمله " .

وقد روى أبو طالب ، وابن منصور ، عن أحمد بن حنبل مثل هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية