الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
غزوة الطائف

في شوال سنة ثمان

قال ابن سعد: قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين يريد الطائف، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته، وقد كانت ثقيف رموا حصنهم، وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة، فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم، وتهيؤوا للقتال، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قريبا من حصن الطائف وعسكر هناك، فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كأنه رجل جراد، حتى أصيب من المسلمين ناس بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجلا، فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم، وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب، فضرب لها قبتين، وكان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله، فحاصرهم ثمانية عشر يوما، ويقال خمسة عشر يوما.

وقال ابن إسحاق: بضعا وعشرين ليلة.

وقال ابن هشام: سبعة عشر يوما، ونصب عليهم المنجنيق، وهو أول ما رمي به في الإسلام فيما ذكر ابن هشام.

وروينا عن ابن سعد قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة، أخبرنا سفيان الثوري ، عن ثور بن يزيد، عن مكحول; أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما.

قال ابن إسحاق: حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة، ثم رجعوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون.

[ ص: 271 ] قال ابن سعد: ثم سألوه أن يدعها لله وللرحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أدعها لله وللرحم. ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر. فخرج منهم بضعة عشر رجلا فيهم أبو بكرة، نزل في بكرة، فقيل: أبو بكرة. فعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة، ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف.

واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديلي، فقال: ما ترى؟ فقال: ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل، فضج الناس من ذلك، وقالوا: نرحل ولم يفتح علينا الطائف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاغدوا على القتال. فغدوا، فأصابت المسلمين جراحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون إن شاء الله، فسروا بذلك، وأذعنوا، وجعلوا يرحلون ورسول الله يضحك، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. فلما ارتحلوا واستقلوا، قال: قولوا: آئبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون. وقيل: يا رسول الله ادع الله على ثقيف. قال: اللهم اهد ثقيفا وائت بهم مسلمين.
والله تعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية