الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1564 [ ص: 99 ] باب جامع ما جاء في حد الزنا

                                                                                                                        1538 - مالك عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ فقال : " إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ، ولو بضفير " .

                                                                                                                        [ ص: 100 ] 35558 - قال ابن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة .

                                                                                                                        35559 - قال مالك : والضفير الحبل .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        35560 - هكذا روى مالك هذا الحديث ، عن ابن شهاب ، بهذا الإسناد ، وتابعه على إسناده هذا ، يونس بن يزيد ، ويحيى بن سعيد .

                                                                                                                        35561 - ورواه عقيل ، والزبيدي ، وابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، أن شبل بن خالد ، أو شبيل بن خالد المزني ، أخبره أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الأمة إذا زنت ، وذكروا الحديث ، إلا أن عقيلا وحده ، قال : مالك بن عبد الله الأوسي ، وقال الزبيدي ، وابن أخي الزهري : عبد الله بن مالك الأوسي ، وقال يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن شبل بن خالد المزني عن عبد الله بن مالك ، ورواه ابن عيينة ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن أبي هريرة ، وزيد بن خالد ، وشبل المزني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سئل عن الأمة ، إذا زنت .

                                                                                                                        35562 - وقد تقصينا الاختلاف عن ابن شهاب ، في هذا الحديث ، في " التمهيد " وذكرنا أقوال أئمة أهل الحديث في ذلك هنالك .

                                                                                                                        35563 - وزعم الطحاوي ، أنه لم يقل أحد في هذا الحديث : " ولم تحصن " ، سوى مالك وأن سائر الرواة ، عن ابن شهاب ، إنما قالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما قال عن الأمة إذا زنت . فقال : " إذا زنت ، فاجلدوها " ، الحديث .

                                                                                                                        35564 - وليس كما زعم الطحاوي ، وقد قاله يحيى بن سعيد ، في هذا [ ص: 101 ] الحديث ، عن ابن شهاب ، وقالته طائفة من رواة ابن عيينة ، عن ابن عيينة ، عن الزهري في هذا الحديث .

                                                                                                                        35565 - وإذا اتفق مالك ، وابن عيينة ، ويحيى بن سعيد ، في هذا الحديث ، على قوله : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عن ‌‌الأمة إذا زنت ولم تحصن " ، وليس من خالفهم عليهم حجة .

                                                                                                                        35566 - وقد روى هذا الحديث سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يذكر فيه : ولم تحصن ، ورواه عن سعيد المقبري ، الليث بن سعد ، وأسامة بن سعيد ، وعبيد الله بن عمر ، وإسماعيل بن أمية ، وقد ذكرنا الأسانيد عنهم ، وعن سائر رواة ابن شهاب ، في " التمهيد " .

                                                                                                                        35567 - ورواية أيوب بن موسى : " فليجلدها الحد " . ولا نعلم أحدا ذكر فيها الحد غيره ، وكلهم يقول : ولا يعييرها ، ولا يثرب عليها .

                                                                                                                        35568 - وأجمع العلماء على أن الأمة إذا تزوجت ، فزنت ، أن عليها نصف ما على الحرة البكر ، من الجلد ، لقول الله عز وجل : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] .

                                                                                                                        35569 - والإحصان في الإماء على وجهين عن العلماء ؛ منهم من يقول : فإذا أحصن . أي : تزوجن . ومنهم من يقول : إحصان الأمة : إسلامها .

                                                                                                                        35570 - واختلف القراء في القراءة ، في هذه الكلمة ؛

                                                                                                                        [ ص: 102 ] 35571 - فمنهم من قرأ أحصن بضم الهمزة ، وكسر الصاد ، يريدون : تزوجن ، وأحصن بالأزواج ، يعني : أحصنهن غيرهن ؛ يعني الأزواج بالنكاح .

                                                                                                                        35572 - وقد قيل : أحصن بالإسلام ، فالزوج محصنها ، والإسلام محصنها .

                                                                                                                        35573 - ومن قرأ بفتح الهمزة والصاد ، أراد تزوجن أو أسلمن ، على مذهب من قال ذلك .

                                                                                                                        35574 - والمعنيان في القراءتين متقاربان ، متداخلان .

                                                                                                                        35575 - وقد ذكرنا في " التمهيد " ، كل من قرأ بالقراءتين من الصحابة ، والتابعين ، وسائر القراء ، في أمصار المسلمين .

                                                                                                                        35576 - وكان ابن عباس يقول : إذا أحصن بالأزواج ، وكان يقول : ليس على الأمة حد حتى تتزوج .

                                                                                                                        35577 - وروى عطية بن قيس ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، مثله .

                                                                                                                        [ ص: 103 ] 35578 - وروي عن عمر ما يشبهه .

                                                                                                                        35579 - وروى عمرو بن دينار ، وعطاء ، عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، عن أبيه ، أنه سأل عن عمر بن الخطاب ، عن الأمة : كم حدها ؟ قال : ألقت بفروتها من وراء الدار .

                                                                                                                        35580 - قال أبو عبيد : لم يذكر بقوله هذا الفروة بعينها ؛ لأن الفروة جلدة الرأس .

                                                                                                                        35581 - كذا قال الأصمعي ، وكيف تلقي جلدة رأسها من وراء الدار ؟ ولكن إنما أراد بالفروة : القناع ، يقول : ليس عليها قناع . ولا حجاب ؛ لأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه ، لا تقدر على الامتناع من ذلك ، وكذلك لا تكاد تمتنع من الفجور ، فكأنه رأى أن لا حد عليها إذا فجرت بهذا المعنى .

                                                                                                                        35582 - قال : وقد روي تصديق ذلك في حديث مفسر ، حدثناه زيد ، عن جرير بن حازم ، عن عيسى بن عاصم ، قال : تذاكرنا يوما قول عمر هذا ؛ فقال سعد بن حرملة : إنما ذلك من قول عمر في الرعايا ، فأما اللواتي قد أحصنهن مواليهن ، فإنهن إذا أحدثن ، حددن .

                                                                                                                        35583 - قال أبو عبيد : هكذا جاء في هذا الحديث : الرعايا ، وأما العربية ؛ فرواعي .

                                                                                                                        35584 - قال أبو عمر : ظاهر حديث عمر هذا ، أن لا حد على الأمة ، إلا أن [ ص: 104 ] تحصن بالتزويج ، وقد قيل : إن معناه أن لا حد على الأمة ، كانت ذات زوج ، أو لم تكن ؛ لأنه لا حجاب عليهما ، ولا قناع ، وإن كانت ذات زوج .

                                                                                                                        35585 - وقد روي عن ابن عباس : أن لا حد على عبد ، ولا ذمي ، إلا أنه قول مجمل ، يحتمل التأويل .

                                                                                                                        35586 - وروي عنه أيضا ، أن ليس على الأمة حد ، حتى تحصن ، رواه ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عنه .

                                                                                                                        35587 - وهو قول طاوس ، وعطاء .

                                                                                                                        35588 - وروي عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، أنه كان لا يرى على العبد ، ولا على الأمة حدا ، إلا أن ينكح الأمة حر ، فينكحها ، فيجب عليها شطر الجلد .

                                                                                                                        35589 - قال ابن جريج : قلت لعطاء : عبد زنى ، ولم يحصن ؟ قال : يجلد غير حد .

                                                                                                                        35590 - قال أبو عمر : كل من لا يرى على الأمة حدا ، حتى تنكح ، يرى أن تؤدب ، وتجلد دون الحد إن زنت ، ورووا حديث أبي هريرة ، وزيد بن خالد ، على هذا المعنى .

                                                                                                                        35591 - وممن قال : لا حد على الأمة ، حتى تحصن بزوج ، ما تقدم عن عمر ، [ ص: 105 ] وأبي الدرداء ، وابن عباس ، وطاوس ، وأبي عبيد القاسم بن سلام .

                                                                                                                        35592 - وأما الذين قالوا : إحصانها إسلامها فيرون عليها الحد ، إذا زنت ؛ كانت قد تزوجت قبل ذلك ، أم لا .

                                                                                                                        35593 - روي ذلك عن ابن مسعود ، وغيره .

                                                                                                                        وروى أهل المدينة ، عن عمر ، هذا المعنى .




                                                                                                                        الخدمات العلمية