الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 302 ] 331 - باب بيان مشكل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الرجم مما أنزله الله تعالى في كتابه وما روي عن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسخ الله عز وجل ذلك من القرآن .

2057 - حدثنا يونس ، قال : حدثني عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب أخبره ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله أنه سمع ابن عباس يقول ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو جالس على منبر النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وإن الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال أو النساء إذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف .

[ ص: 303 ]

2058 - ووجدنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قد حدثنا ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : حدثني مالك ويونس ، عن ابن شهاب ثم ذكر بإسناده مثله .

2059 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال : حدثنا صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباس أخبره ، ثم ذكر عن عمر رضي الله عنه مثله وزاد فيه : وايم الله لولا أن يقول الناس : كتب عمر في كتاب الله ما لم ينزل ، لكتبتها .

2060 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري ، قال : حدثنا أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان ، قال : حدثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن عبد الرحمن بن عوف ، قال :

خطبنا عمر رضي الله عنه فقال : قد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا ، وأنزله الله في كتابه ، ولولا أن الناس يقولون : إن عمر زاد في كتاب الله ، لكتبته بخطي حتى ألحقه بالكتاب .

[ ص: 304 ] قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث من قول عمر رضي الله عنه أن الرجم مما أنزله الله عز وجل في كتابه ، وكان هذا عندنا من جنس ما قد ذكرنا فيما تقدم منا في كتابنا هذا مما أنزل قرآنا ، فوقف عمر على ذلك ، ثم نسخ فأخرج من القرآن فلم يقف على ذلك فقال ما قال لهذا المعنى ، ووقف على ذلك غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، فلم يكتبوها في القرآن لعلمهم أن النسخ قد لحقها فأخرجت من القرآن فأعيدت إلى السنة .

فقال قائل : وهل كان أبو بكر رضي الله عنه كتب القرآن ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن أبا بكر قد كان جمع القرآن وكتبه .

كما قد حدثنا يونس ، قال أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم وخارجة ، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى عليه حتى استعان عليه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ففعل ، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي ثم كانت عند عمر حتى توفي ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل عثمان فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها : ليردنها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخها عثمان في هذه [ ص: 305 ] المصاحف ثم ردها إليها ، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان بن الحكم فأخذها فحرقها .

وكما قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : أخبرنا يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن ابن السباق ، عن زيد بن ثابت ، قال : أرسل إلي أبو بكر رضي الله عنه فقال : أرى أن يجمع القرآن ، فقلت : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو والله خير ، فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري بذلك ورأيت فيه الذي رأى فيه .

قال زيد وعمر عنده جالس لا يتكلم ثم قال أبو بكر رضي الله عنه : إنك شاب عاقل ولا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبع القرآن فاجمعه ، فاتبعت القرآن فجمعته من الأقتاب والعسب والأكتاف وصدور الرجال ، وكانت المصاحف التي جمعت فيها القرآن عند أبي بكر رضي الله عنه حياته ثم توفاه الله ، ثم عند عمر رضي الله عنه حتى توفاه الله ، ثم عند حفصة ابنة عمر
.

[ ص: 306 ] فكان فيما روينا ما قد دل أن أبا بكر رضي الله عنه قد وقف على أن آية الرجم قد نسخت من القرآن وردت إلى السنة ، وأن عثمان أيضا قد وقف على ذلك .

2061 - وقد حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن سلمة يعني ابن كهيل ، عن الشعبي ، قال :

جلد علي رضي الله عنه شراحة يوم الخميس ، ورجمها يوم [ ص: 307 ] الجمعة ، وقال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2062 - وحدثنا أبو قرة محمد بن حميد الرعيني ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا موسى بن أعين ، عن مسلم الأعور ، عن حبة ، [ ص: 308 ] عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : أتته شراحة فأقرت عنده أنها زنت ، فقال لها علي رضي الله عنه : فلعلك عصيت نفسك ، قالت : أتيت طائعة غير مكرهة ، فأخرجها حتى ولدت وفطمت ولدها ، [ ص: 309 ] ثم جلدها الحد بإقرارها ثم دفنها في الرحبة إلى منكبها فرماها هو أول الناس ثم قال : ارموا ثم قال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة محمد صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 310 ] فأخبر علي بما قد رويناه عنه أن الرجم في الزنى سنة لا قرآن ، وتابع أبا بكر وعمر على ذلك زيد بن ثابت ، وهو الذي كان يكتب القرآن لأبي بكر مع قديم علمه به لكتابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، وكان من علم شيئا أولى ممن لم يعلمه فكان علم أبي بكر وعثمان وعلي بخروج آية الرجم من القرآن ونسخها منه أولى من ذهاب ذلك على عمر رضي الله عنه ، والدليل على أن عمر بعد وقوفه على ما كان من أبي بكر رضي الله عنه قد رأى من ذلك ما رآه أبو بكر فيه فلم يكتبها في المصحف ، ولولا أن ذلك كذلك لما ترك كتابها فيه ، ولكنه ترك كتابها فيه لأنه رأى أن علم أولئك مما علموا مما ذهب عليه علمه أولى من كتابه إياها ، فرد ذلك ورجع إلى ما كانوا عليه

فبان بما ذكرنا أن الرجم الذي هو حد الزاني المحصن سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آية ثابتة الآن من كتاب الله عز وجل ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية