الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إذ قالت الملائكة يا مريم ولما كانت هذه السورة سورة التوحيد المقتضي للتفرد بالعظمة عبر بما صدرت به من اسم الذات الجامع لجميع الصفات فقال: إن الله أي الملك الأعظم الذي لا كفؤ له، فلا راد لأمره يبشرك وكرر هذا الاسم الشريف في هذا المقام زيادة في إيضاح هذا المرام بخلاف ما يأتي في سورة مريم عليها السلام، وقوله: بكلمة أي مبتدئة منه من غير واسطة أب هو من تسمية المسبب باسم السبب، والتعبير بها أوفق لمقصود السورة وأنفى لما يدعيه المجادلون في أمره، ثم بين أنه ليس المراد بالكلمة حقيقتها، بل ما يكون عنها ويكون فعالا بها فقال مذكرا للضمير: اسمه أي الذي يتميز به عمن سواه مجموع ثلاثة أشياء: [ ص: 397 ] المسيح أصل هذا الوصف أنه كان في شريعتهم: من مسحه الإمام بدهن القدس كان طاهرا متأهلا للملك والعلم والمزايا الفاضلة مباركا، فدل سبحانه وتعالى على أن عيسى عليه الصلاة والسلام ملازم للبركة الناشئة عن المسح وإن لم يمسح; وأما وصف الدجال بذلك فإما أن يكون لما كان هلاكه على يد عيسى عليه الصلاة والسلام وصف بوصفه - من باب التسمية بالضد، وإما أن يكون إشارة إلى أنه ملازم للنجاسة فهو بحيث لا ينفك - ولو مسح - عن الاحتياج إلى التطهير بالمسح من الدهن الذي يمسح به المذنبون ومن كان به برص ونحوه فيبرأ - والله سبحانه وتعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما وصفه بهذا الوصف الشريف ذكر اسمه فقال عيسى وبين أنه يكون منها وحدها من غير ذكر بقوله موضع ابنك: ابن مريم وذلك أنفى لما ضل به من ضل في أمره، وأوضح في تقرير مقصود السورة وفي تفخيم هذا الذكر بجعله نفس الكلمة وبإبهامه أولا ثم تفسيره، وقوله: اسمه تعظيم لقدره وبيان لفضله [ ص: 398 ] على يحيى عليهما السلام حيث لم يجعل له في البشارة به مثل هذا الذكر، ثم أتم لها البشارة بأوصاف جعلها أحوالا دالة على أنه يظهر اتصافه بها حال الولادة تحقيقا لظهور أثر الكلمة عليه فقال: وجيها قال الحرالي: صيغة مبالغة مما منه الوجاهة، وأصل معناه الوجه وهو الملاحظ المحترم بعلو ظاهر فيه. انتهى. في الدنيا ولما كان ذلك قد لا يلازم الوجاهة بعد الموت قال: والآخرة ولما كانت الوجاهة ثم مختلفة ذكر أعلاها عاطفا بالواو إشارة إلى تمكنه في الصفات فقال: ومن المقربين أي عند الله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية