الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 140 ] الباب الثامن

                                                                                                                في صرف الزكاة ، والنظر في المصرف ، وأحكام الصرف

                                                                                                                النظر الأول في الصرف ، وهو الطوائف الثمانية التي في قوله تعالى : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) ( التوبة : 60 ) ، فحصرها بصيغة ( إنما ) فيهم ، فإن لم يوجد إلا صنف واحد أجزأ الإعطاء له إجماعا ، كاستحقاق الجماعة للشفعة إذا غابوا إلا واحدا أخذها ، وإن وجد الأصناف كلها أجزأه صنف عند مالك و ( ح ) ، وقال ( ش ) : يجب استيعابهم إذا وجدوا ، واستحبه أصبغ ليلا يندرس العلم باستحقاقهم ، ولما فيه من الجمع بين مصالح : سد الخلة ، والإعانة على الغزو ، ووفاء الدين وغير ذلك ، ولما يرجى من بركة دعاء الجميع بالكثرة ومصادفة ولي فيهم ، قاله سند : وانعقد الإجماع على عدم استيعاب آحادهم بل قال ( ش ) : يدفع ثلاثة من كل صنف ، وللإمام إذا جمع الصدقات أن يدفع زكاة الرجل الواحد لفقير واحد ، هاتان الصورتان تهدمان ما يقوله الشافعي من التمليك ، ومنشأ الخلاف : اللام التي في قوله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) هل هي للتمليك كقولنا : المال لزيد ، أو لبيان اختصاص الحكم بالثمانية ، كقوله تعالى : ( فطلقوهن لعدتهن ) . ( الطلاق : 1 ) أي الطلاق مختص بهذا الزمان ، وقوله عليه السلام : ( صوموا لرؤية الهلال ) [ ص: 141 ] أي وجوب الصوم مختص بهذا السبب ، فليس في الآية على هذا تعرض لملك ، وهذا هو الظاهر لما فيه من عدم المخالفة لظاهر اللفظ بذينك الصورتين ، ومن قال بالتمليك يلزمه مخالفة ظاهر اللفظ بهما ، وقد نص الله تعالى في الكفارات على المساكين ، ومع ذلك يجوز الصرف للفقراء ، وكذلك هاهنا .

                                                                                                                ولهذه الأصناف شروط تعمها ، وشروط تختص ببعضها ، فالعامة أربعة :

                                                                                                                الشرط الأول : الإسلام ، إلا ما يذكر في المؤلفة قلوبهم .

                                                                                                                الشرط الثاني : خروجهم عن القرابة الواجبة نفقتهم ، وفي ( الكتاب ) : لا يعطيها لمن تلزمه نفقتهم ( ومن لا تلزمه نفقتهم ) فلا يلي هو إعطاءهم ، ويعطيهم من يلي تفريقها بغير أمره كما يعطي غيرهم ، قال سند : واختلف في تعليل المنع ، فقال مالك : لأنه يوفر نفقته الواجبة عليه . قال عبد الوهاب : لأنهم أغنياء بنفقته ، فيدفع لهم خمس ركازه على الثاني دون الأول ، ويجوز لغيره الدفع لهم من الزكاة على الأول دون الثاني ، ومن لا تجب نفقتهم ، المشهور أنهم سواء ، وقال ابن حبيب : لا يجزئه إعطاؤها لمن تلزمه نفقته ، ولا لمن يشبههم كالأجداد والجدات ، وبني البنين والبنات مراعاة لمن يقول : لهم النفقة ، ويلزمه أن يقول ذلك في العم والعمة ، والخال والخالة . ومن لا تلزمه نفقته من أقاربه إن كان في عياله ، وقطع بالدفع إليهم نفقته لم تجزئه قاله ابن حبيب ; لأنه استعان على ما كان التزمه بزكاته ، قال وفيه نظر ; لأنه له قطع النفقة عنهم ، فيكون غيرهم أولى ، فقط وإن لم يقطع نفقته أجزأه مع الكراهة . قاله مالك ، وروي عنه : لا بأس إذا ولي هو تفريقها أن يعطي أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم ، وإن كان مالك يفعل ذلك ، وهو قول ( ش ) للجمع فيها بين الصدقة وصلة الرحم ، ويلاحظ عدم الإخلاص بدفع الذم عن نفسه ، وخشية أن يعطي لهم وليسوا أهلا .

                                                                                                                ( فرع ) ويلحق بالقرابة الزوج ، قال ابن القاسم في ( الكتاب ) : لا تعطي المرأة زكاتها لزوجها ، وقاله ( ح ) ; لأنه يتسع بها فيكون وقاية عن نفقة الزوجة ، وكرهه [ ص: 142 ] أشهب ، و ( ش ) وإن لم يردها في نفقتها لما في الصحيحين : ( أنه سئل عليه السلام عن ذلك فقال : فيه أجران ) ، قال سند : فإن دفع الزوج زكاته إليها لا تجزئه ; لأنها غنية بنفقته ، قال ابن القصار : إذا أعطى أحد الزوجين الآخر ما يقضي به دينه جاز لعدم عود المنفعة ، قال : وهذا يقتضي أن الدفع للأب لوفاء الدين جائز إلا أن يكون الدين لأحد الأبوين على الآخر ، وصاحب الدين فقير .

                                                                                                                الشرط الثالث : خروجهم عن آل النبي عليه السلام ، قال سند : الزكاة محرمة على النبي عليه السلام إجماعا ، ومالك والأئمة على تحريمها على قرابته ، قال الأبهري : يحل لهم فرضها ونفلها ، وهو مسبوق بالإجماع ، ولما في مسلم قال عليه السلام : ( إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ) واختلف في تعيينهم فقال ابن القاسم : هم بنو هاشم دون مواليهم ، وقاله ( ح ) واستثنى بني أبي لهب : وزاد ( ش ) وأشهب : بني عبد المطلب ; لأنه عليه السلام أعطاهم من سهم ذوي القربى دون العرب لما حرموا من الزكاة ، وقال أصبغ : هم عترته الأقربون آل عبد المطلب وهاشم وعبد مناف وقصي دون مواليهم ، والأول أظهر ، فإن الأول إنما يتناول عند الإطلاق الأدنين ، وقال ابن نافع : مواليهم منهم لقوله عليه السلام : ( مولى القوم منهم ) قال ابن القاسم : [ ص: 143 ] معناه في البر والحرمة ، كما قال عليه السلام : ( أنت ومالك لأبيك ) وقال ابن نافع و ( ش ) و ( ح ) : تحرم عليهم صدقة التطوع والواجبة لعموم الخبر ، وجوز ابن القاسم التطوع لقوله عليه السلام : ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة ) ثم كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يدفعان من ذلك لعلي والعباس - رضي الله عنهما - وفي ( الجواهر ) : من أصحابنا من جوز لهم الواجبة دون التطوع لعدم المنة فيها ، فتكون أربعة أقوال .

                                                                                                                الشرط الرابع : الحرية ; لأن العبد مكفي بنفقة سيده ، قال سند : قال الباجي : يجوز أن يستأجر على حراستها وسوقها ، وإن لم يجز أن يكون عاملا عليها ; لأنها أجرة محضة ، وقدمت هذه الشروط لعمومها ، والعام يجب تقديمه على الخاص .

                                                                                                                ولنتكلم الآن على الأصناف وشروطها الخاصة فنقول :

                                                                                                                الصنف الأول ، الفقير ، وفي ( الجواهر ) : هو الذي يملك اليسير لا يكفيه لعيشه ، وفي ( الكتاب ) : من له دار وخادم لا فضل في ثمنهما عن غيرهما فيعطى ، وإلا فلا ، قال سند : مذهب ( الكتاب ) : تراعى الحاجة دون قدر النصاب من غير العين ، ( فإن من ملك نصابا من العين ) فهو غني تجب عليه الزكاة ، فلا يأخذها ، والفرق : أن الشرع حدد نصاب العين ولم يحدده من غيرها ، وروي عنه المنع مع النصاب من غير العين إذا فضل عن قيمة المسكن ، وروي جواز الأخذ مع النصاب من العين ، وأما المستغني بقوته وصنعته : فعلى مراعاة القوة لا يعطى شيئا ، وقاله ( ش ) ، قال [ ص: 144 ] مالك و ( ح ) يعطى ; لأنه ليس بغني ، وإنما هو يقدر على شيء ما حصل إلى الآن ، قال اللخمي : وقال يحيى بن عمر : لا يجزئ لقوله عليه السلام في أبي داود : ( لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ) ، والصحيح خمسة أقسام : من له قوة صناعة تكفيه لا يعطى ، لقيام الصنعة مقام المال ، ومن لا تكفيه يعطى تمام الكفاية ، ومن كسدت صنعته يعطى ، ومن ليس له صناعة ولا يجد في الموضع ما يتحرف به يعطى ، ومن وجد ما يتحرف لو تكلف ذلك فهو موضع الخلاف ، ويؤكد المنع : إنما هي مواساة ، فلا تحل للقادر على الكسب ، كمواساة القرابة بطريق الأولى لتأكيد القريب على الأجنبي ، وفي ( الجواهر ) : لا تشترط الزمانة ولا التعفف عن السؤال ، والمكفي بنفقة ابنه ، والزوج لا يعطى .

                                                                                                                الصنف الثاني : المسكين ، قال سند : المشهور : أن المسكين أشد حاجة من الفقير ، وقاله ( ح ) وقال الشافعي وبعض أصحابنا : الفقير أشد لقوله تعالى : ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون ) . ( الكهف : 79 ) فجعل لهم سفينة ، ولأن الفقير مأخوذ من فقار الظهر إذا انكسرت وذلك شأن الموت ، وقال ابن الجلاب : هما سواء ، لمن له شيء لا يكفيه ، فعلى هذا تكون الأصناف سبعة ، وقاله ابن وهب ، الفقير المتعفف عن السؤال مع الحاجة ، والمسكين الذي يسأل في الأبواب والطرق ، لقوله عليه السلام في مسلم : ( ليس المسكين هو الطواف ) الحديث .

                                                                                                                لنا : قوله تعالى : ( أو مسكينا ذا متربة ) . ( البلد : 16 ) وهو الذي ألصق جلده [ ص: 145 ] بالتراب ، ولقوله عليه السلام : ( ليس المسكين هو الطواف على الناس ، فترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، قالوا : فما المسكين يا رسول الله ، قال : الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يسأل الناس شيئا ) وقول الشاعر :


                                                                                                                أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد



                                                                                                                فجعل له حلوبا ، قال الأخفش : والفقير من قولهم : فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته ، فيكون الفقير من له قطعة من المال ، والمسكين من السكون ، ولو أخذ الفقير من الذي قالوه ، فالذي سكن عن الحركة أقرب للموت منه ، وأما الآية : فالمراد بالمساكين المقهورون ، كقوله تعالى : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) . ( البقرة : 61 ) وذلك لا ينافي الغنى ، ومعنى الآية : لا طاقة لهم بدفع الملك عن غصب سفينهم ، وورد على الثاني أن المراد بالمسكين في قوله : ( ليس المسكين بهذا الطواف ) أي المسكين الكامل المسكنة ، ولا يلزم من نعته بصفة الكمال نفيه مطلقا ، واللام تكون للكمال ، قاله سيبويه وجعلها في اسم ( الله ) له ، وعن البيت : إن الحلوبة لم يتمها له إلا في الزمن الماضي ، لقوله : كانت في زمن من سماه فقيرا ، فلعله كان في ذلك الزمان يسمى غنيا .

                                                                                                                الصنف الثالث ، هو العامل ، وفي ( الجواهر ) : نحو : الساعي ، والكاتب ، والقاسم ، وغيرهم ، أما الإمام ، والقاضي ، والفقيه ، والقارئ فرزقهم من الخراج والخمس والعشر وغير ذلك ، قال سند : وروي عن مالك : من يسوقها ويرعاها ، وهو شاذ ، قال اللخمي : ويجوز أن يكون العامل غنيا ، لقوله عليه السلام في [ ص: 146 ] ( الموطأ ) : ( لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ، أو العامل عليها ، أو الغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل له جار مسكين ، فتصدق على المسكين ، فأهدى المسكين للغني ) وأجاز أحمد بن نصر أن يكون من آل النبي عليه السلام ، أو عبدا أو ذميا قياسا على الغني ، والفرق : أنها أجرة له ، فلا تنافي الغني ، وكونها أوساخ الناس ينافي آل البيت لنفاستهم ، ولكونها قربة ، تنافي الكفار والعبيد لخساستهم .

                                                                                                                قال أبو الطاهر : وشروطه أربعة : العدالة ، والحرية ، والبلوغ ، والعلم بأحكام الزكاة .

                                                                                                                الصنف الرابع : المؤلفة قلوبهم ، وفي ( الجواهر ) : كانوا في صدر الإسلام ، يظهرون الإسلام ، فيؤلفون بالعطاء لينكف غيرهم بانكفافهم ، ويسلم بإسلامهم ، وقد استغني الآن عنهم ، قال عبد الوهاب : فلا سهم لهم إلا أن تدعو حاجة إليهم ، وقيل : هم صنف من الكفار يتألفون على الإسلام ، لا يسلمون بالقهر ، وقيل : قوم إسلامهم ضعيف فيقوى بالعطاء ، وقيل : عظماء من ملوك الكفار أسلموا فيعطون ليتألفوا أتباعهم ; لأن الجهاد يكون تارة بالسنان ، وتارة بالبيان ، وتارة بالإحسان ، يفعل مع كل صنف ما يليق به .

                                                                                                                الصنف الخامس : فك الرقاب ، في ( الجواهر ) : يشتري الإمام الرقاب من الزكاة فيعتقها عن المسلمين ، والولاء لجميعهم ، قال ابن القاسم : ولا يجري فيها إلا ما يجري في الرقاب الواجبة ، خلافا لابن حبيب في الأعمى والأعرج والمقعد ، وقال ابن وهب : هو فكاك المكاتبين ، قال محمد : يعطي مكاتبه من زكاته ما لم يتم به عتقه ، وفي قطاعة مدبره ما يعتق به ، وهما لا يجزئان في الواجب .

                                                                                                                [ ص: 147 ] ( فرع ) : قال : لو اشترى من زكاته رقبة فأعتقها ليكون الولاء له النية لا يجزئه ( عند ابن القاسم ) لاستثنائه الولاء خلافا لأشهب محتجا بمن أمر عبده بذبح أضحيته فذبحها عن نفسه ، فإنها تجزئ عن الآمر ، أو أمره بعتق عبده عن نفسه فأعتقه الوكيل عن نفسه ، فإن العتق عن الآمر ، ولا يجزئ فك الأسير عند ابن القاسم خلافا لابن حبيب .

                                                                                                                ( تمهيد ) قوله تعالى : ( وفي الرقاب ) اجتمع فيه العرف الشرعي واللغة ، أما العرف فلأنه تعالى أطلق الرقبة في الظهار والقتل ولم يرد بها إلا الرقيق الكامل الرق والذات ، وأما اللغة ، فإن الرقبة تصدق لغة على الأحرار والعبيد ومن كمل ومن نقص ، فالمشهور قدم العرف الشرعي ، وهو المشهور في أصول الفقه بأنه ناسخ للغة ، ومن لاحظ اللغة لكونها الحقيقة ، وغيرها مجاز أجاز المكاتب والمدبر والمعيب والأسير وعتق الإنسان عن نفسه ، وإن كان الولاء له دون المسلمين ، فلأن مقصود الزكاة إنما هو شكر النعمة وسد الخلة ، وهذا حاصل ، والولاء للمعتق ، فإن حق المسلمين إنما يتعين في بيت المال ، وكذلك سائر مصارف الزكاة لا يعم منها شيء للمسلمين ، وقياسا على الرقاب في غير الزكاة ، فإنه يجزئ والولاء للمعتق ، قال سند : وجوز ابن حبيب عتق من بعضه حر تفريعا على المكاتبين ، قال اللخمي : اختلف في خمسة : المعيب ، وإعطاء المكاتب ، وإعطاء الرجل مالا لتعتق عبده والأسير ، وعتق بعض عبد فيبقى الباقي رقيقا ، أو كان بعضه حرا ، قال : وقول مالك وأصحابه إجزاء المعيب ، ومن اشترى رقبة من زكاته ، وقال : هي حرة عن المسلمين ولا ولاء لي ، فولاؤها للمسلمين وتجزئه ، وإن قال : حر عني وولاؤه للمسلمين : قال ابن القاسم : لا يجزئه وولاؤه له ، وقال أشهب : يجزئه وولاؤه للمسلمين .

                                                                                                                الصنف السادس : الغارم ، وهو من ادان في غير سفه ولا فساد ، ولا يجد وفاء أو معهم أموال لا تفي ديونهم ، فيعطون من الزكاة قضاء ديونهم ، وإن لم تكن لهم أموال فهم فقراء غارمون يعطون بالوصفين ، وفي الدفع لمن ادان في سفه ثم [ ص: 148 ] نزع عنه خلاف ، وفي دينه لله تعالى كالكفارات والزكوات التي فرط فيها خلاف ، قال أبو الوليد : ويجب أن يكون الغارم بحيث ينجبر حاله بأخذ الزكاة ويفسد بتركها بأن تكون له أصول يستغلها فيلجئه الدين إلى بيعها فيفسد حاله فيؤدي ذلك من الزكاة ، وأما إن كان يتدين أموال الناس ليكون غارما فلا ; لأن الدفع يديمه على عادته الردية ، والمنع يردعه ، قال سند : من تداين لفساد ثم حسنت حاله دفعت إليه ، وقال ابن المواز : لا يقضى منها دين الميت خلافا لابن حبيب .

                                                                                                                قال أبو الطاهر في نظائره : وشروط الغارم أربعة : أن لا يكون عنده ما يقضي بها دينه ، وأن يكون الدين لآدمي ، وأن يكون مما يحسن فيه ، وأن لا يكون استدانه في فساد .

                                                                                                                الصنف السابع : سبيل الله تعالى ، وفي ( الجواهر ) : هو الجهاد دون الحج ، خلافا لابن حنبل ، لنا قوله عليه السلام : ( لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لغاز في سبيل الله ) الحديث ، ولم يذكر الحج ، ولأن أخذ الزكاة إما لحاجته إليها كالفقير ، أو لحاجتنا إليه كالعامل ، والحاج لا يحتاج إليها لعدم الوجوب عليه حينئذ إن كان فقيرا ، ولأن عنده كفايته إن كان غنيا ، ولا نحتاج نحن إليه ، قال سند : قال عيسى بن دينار و ( ح ) : إن كان غنيا ببلده ، ومعه ما يغنيه في غزوه ، فلا يأخذها ، ووافقنا الشافعي ، لنا : أن الآية مشتملة على الفقراء ، فيكون سبيل الله تعالى غيرهم عملا بالعطف ، ويؤكده الحديث المتقدم ، قال ابن عبد الحكم : ويشتري الإمام منها المساحي ، والحبال والمراكب ، وكراء النواتية للغزو ، وكذلك الجواسيس وإن كانوا نصارى ، ويبنى منها حصن على المسلمين ، ويصالح منها العدو ، وقال أبو الطاهر : في ذلك قولان ، والمشهور : المنع لأنهم فهموا من السبيل الجهاد نفسه .

                                                                                                                الصنف الثامن ، ابن السبيل . وفي ( الجواهر ) : وهو المنقطع به بغير بلده ، [ ص: 149 ] المستديم السفر ، وإن كان غنيا ببلده ، ولا يلزمه التداين لاحتمال عجزه عن الأداء ، وقيل : إن قدر على السلف لا يعطى ، فإن كان معه ما يغنيه فلا يعطى لكونه ابن السبيل ، أو يعطى : روايتان ، والأول المشهور ، وما أخذ لا يلزمه رده إذا صار لبلده لأخذه إياه باستحقاق ، ولصرفه في وجوه الصدقة ، قال سند : إن كان مستمر السفر فلا خلاف ، وإن أقام مدة ثم أراد الخروج أجاز مالك و ( ش ) الدفع له ; لأنه غريب يريد السفر ، قياسا على المستديم ، بجامع الحاجة ، ومنع ( ح ) ، ومن اضطر إلى الخروج من بلده : زعم بعض المتأخرين الدفع له لما يسافر به ، وإن كان ذاهبا إلى غير مستعيب ، دفع له نفقة الرجوع ، شبهه بابن السبيل ، وإن لم يقع عليه ، ومنع عبد الوهاب مطلقا ، ولو احتاجت زوجة ابن السبيل التي خلفها النفقة : قال مالك : يعطى لها ، وفي ( الكتاب ) : ( الحاج ابن السبيل ) .

                                                                                                                قال أبو الطاهر في نظائره : شروط ابن السبيل ثلاثة : أن يكون سفره غير معصية ، وأن يكون فقيرا في الموضع الذي هو فيه ، وأن لا يجد من يسلفه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية