الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1567 [ ص: 117 ] باب الحد في القذف والنفي والتعريض

                                                                                                                        1542 - مالك ، عن أبي الزناد ؛ أنه قال : جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين .

                                                                                                                        قال أبو الزناد : فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك ؟ فقال : أدركت عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، والخلفاء هلم جرا . فما رأيت أحدا جلد عبدا ، في فرية ، أكثر من أربعين .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        35659 - قال أبو عمر : روى سفيان الثوري ، عن عبد الله بن ذكوان ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال : كان أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، [ ص: 118 ] وعثمان بن عفان ، لا يجلدون العبد في القذف إلا أربعين ، ثم رأيتهم يزيدون على ذلك .

                                                                                                                        35660 - قال أبو عمر : قوله : ثم رأيتهم ، يعني الأمراء بالمدينة ، ليس الخلفاء الثلاثة الذين ذكرهم .

                                                                                                                        35661 - وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه كان يجلد العبد في الفرية أربعين ، من كتاب ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق ، وغيرهما .

                                                                                                                        35662 - واختلف أهل العلم في العبد يقذف الحر ، كم يضرب ؟

                                                                                                                        35663 - فقال أكثر العلماء : حد العبد في القذف أربعون جلدة ، سواء قذف حرا أو عبدا ؛ روي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس .

                                                                                                                        35663 - وروى الثوري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عليا قال : يجلد العبد في الفرية أربعين .

                                                                                                                        35664 - وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وطاوس ، والحكم ، وحماد ، وقتادة ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله .

                                                                                                                        [ ص: 119 ] 35665 - وإليه ذهب مالك ، والليث ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق .

                                                                                                                        35666 - وحجتهم القياس للعبيد على الإماء ؛ لقول الله عز وجل في الإماء : ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] .

                                                                                                                        35667 - وروي عن ابن مسعود ، أنه قال في عبد قذف حرا : يجلد ثمانين .

                                                                                                                        35668 - وبه قال عمر بن عبد العزيز ، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وقبيصة بن ذؤيب ، وابن شهاب الزهري ، والقاسم بن محمد .

                                                                                                                        35670 - حدثني خلف بن قاسم ، قال : حدثني محمد بن القاسم بن شعبان ، قال : حدثني أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا أحمد بن مسعدة ، قال : أخبرنا سليم بن أخضر ، عن ابن عون ، وعوف ، أن عمر بن عبد العزيز ، كتب في المملوك يقذف الحر ؛ قال : يجلد ثمانين .

                                                                                                                        35671 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني أبو أسامة ، قال : حدثني جرير بن حازم ، قال : قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ، إلى عدي بن أرطأة : أما بعد ؛ فإنك كتبت إلي تسأل عن العبد يقذف الحر ، كم يجلد ؟ وذكرت أنه بلغك أني كنت أجلده ، إذا زنى بالمدينة أربعين جلدة ، ثم جلدته في آخر عملي ثمانين جلدة ، فإن جلدي الأول كان رأيا رأيته ، وإن جلدي الآخر وافق كتاب الله تعالى ، فاجلده ثمانين جلدة .

                                                                                                                        [ ص: 120 ] 35672 - قال : حدثني ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : ضرب عمر بن عبد العزيز العبد في القذف ثمانين .

                                                                                                                        35673 - قال أبو عمر : ظن داود ، وأهل الظاهر أن عمر بن عبد العزيز ، ومن قال بقوله إنما جلد العبد في القذف ثمانين ؛ فرارا عن قياس العبيد على الإماء ، وليس كذلك ، بل المعنى الذي ذهبوا إليه نفس القياس ؛ لأن الله عز وجل أمر في كل من قذف محصنة أن يجلد ثمانين جلدة ، إلا أن يأتي بأربعة شهداء .

                                                                                                                        35674 - والمحصنات لا يدخل فيهن المحصنون إلا بالقياس ، وقد أجمع علماء المسلمين أن المحصنين في ذلك كلهم حكمهم في ذلك حكم المحصنات قياسا ، وأن من قذف حرا عفيفا مسلما ، كمن قذف حرة عفيفة مسلمة .

                                                                                                                        35675 - هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من علماء هذه الأمة ؛ فمن رأى الحد حقا يجب للمقذوف ، سواء كان حرا أو عبدا ، قال : حد القاذف للحر المسلم البالغ ، ثمانون جلدة ، حرا كان أو عبدا ؛ لأن الله تعالى لم يخص قاذفا حرا من قاذف عبد ، إذا كان المقذوف حرا مسلما ، فليس هاهنا نفي قياس لمن أنعم النظر ، وسلم من الغفلة ، ومن قال : الحد إنما يراعى فيه القاذف ، فإن كان عبدا حد حد العبيد ، كما يضرب في الزنا نصف حد الحر ، إنما يراعى فيه القاذف ، وهذا تصريح بالقياس ، وهو قول الخلفاء الراشدين ، وجمهور علماء المسلمين . وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية