الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما بيان ما يمنع المحبوس عنه وما لا يمنع فالمحبوس ممنوع عن الخروج إلى أشغاله ومهماته ، وإلى الجمع ، والجماعات ، والأعياد وتشييع الجنائز ، وعيادة المرضى ، والزيارة والضيافة ; لأن الحبس للتوسل إلى قضاء الدين فإذا منع عن أشغاله ومهماته الدينية والدنيوية تضجر فيسارع إلى قضاء الدين ، ولا يمنع من دخول أقاربه عليه ; لأن ذلك لا يخل بما وضع له الحبس بل قد يقع وسيلة إليه ، ولا يمنع من التصرفات الشرعية : من البيع ، والشراء ، والهبة ، والصدقة ، والإقرار لغيرهم من الغرماء حتى لو فعل شيئا من ذلك نفذ ولم يكن للغرماء ولاية الإبطال ; لأن الحبس لا يوجب بطلان أهلية التصرفات ولو طلب الغرماء الذين حبس لأجلهم من القاضي أن يحجر على المحبوس من الإقرار والهبة والصدقة وغيرها لم يجبهم إلى ذلك عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما له أن يجيبهم إليه .

                                                                                                                                وكذا إذا طلبوا من القاضي بيع ماله عليه مما سوى الدراهم والدنانير من المنقول والعقار له أن يجيبهم إليه عندهما .

                                                                                                                                وأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يجيبهم إلى ذلك وهي مسألة الحجر ، لكن إذا كان دينه دراهم ، وعنده دراهم فإن القاضي يقضي بها دينه ; لأنها من جنس حقه ، وإن كان دينه دراهم وعنده دنانير باعها القاضي بالدراهم وقضى بها دينه .

                                                                                                                                وكذا إذا كان دينه دنانير وعنده دراهم باعها القاضي بالدنانير وقضى بها دينه ، فرق بين الدنانير والدراهم وبين سائر الأموال أنه يبيع أحدهما بالآخر لقضاء الدين ، ولا يبيع سائر الأموال ( ووجه ) الفرق : أن الدراهم والدنانير من جنس واحد من وجه بدليل أنه يكمل نصاب أحدهما بالآخر في باب الزكاة ، والمؤدى عن أحدهما كان مؤدى عن الآخر عند الهلاك فكان بينهما مجانسة من وجه ، فصار كل واحد منهما كعين الآخر حكما ، وليس بين العروض وبين الدراهم والدنانير مجانسة بوجه فلا يملك التصرف على المحبوس ببيعهما بها ; ولأن العروض إذا بيعت لقضاء الدين فإنها لا تشترى مثل ما تشترى في سائر الأوقات ، بل دون [ ص: 175 ] ذلك وفيه ضرر به ، ولا ضرر في الدراهم والدنانير لأنها ; لا تتفاوت وهذا بخلاف ما بعد الموت أن القاضي يبيع جميع ماله لقضاء دينه ; لأن ; بيع القاضي ليس تصرفا على الميت لبطلان أهليته بالموت ; ولأنه رضي بذلك في آخر جزء من أجزاء حياته ، هذا هو الظاهر ; لأن قضاء الديون من حوائجه الأصلية فكان راضيا بقضاء الدين من أي مال كان تخليصا لنفسه عن عهدة الدين عندما سده عن حياته والله سبحانه وتعالى أعلم وينفق المحبوس على نفسه وعياله وأقاربه ولا يمنع من ذلك ولا عن شيء من التصرفات الشرعية والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية