الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( تنبيهات الأول : ) قال في المدونة : فإن ردت الثمرة مع النخل كان لك أجر سقيك وعلاجك .

                                                                                                                            قال في المقدمات فيما إذا اشترى النخل بالثمرة المؤبرة ، ثم وجد العيب قبل طيبها فإنه يردها بثمرتها عند الجميع ، ويرجع بالسقي والعلاج عند ابن القاسم ، وأما إن لم يطلع على العيب إلا بعد طيب الثمرة فإنه يردها على مذهب ابن القاسم ويرجع بالسقي والعلاج ، وقال أشهب : إذا جذت الثمرة فهي غلة ( الثاني ) : فهم من قول المصنف ثمرة أبرت أنها لو كانت الثمرة يوم الشراء قد طابت أنه يردها إذا رد الأصول من باب أحرى ، وفهم منه أيضا لو كانت الثمرة يوم الشراء لم تؤبر لم ترد وتكون غلة للمشتري ، وهو كذلك إن كان قد [ ص: 464 ] جذها سواء كانت الثمرة موجودة يوم الشراء ولكنها لم تؤبر ، أو لم تكن موجودة يوم الشراء ، ولكنها حدثت عند المشتري ، فإن كان المشتري لم يجذ الثمرة فلا يخلو إما أن يكون اطلع على ذلك قبل طيب الثمرة ، أو بعد طيبها ، فإن اطلع على ذلك قبل طيبها فإنه يردها مع أصولها سواء أبرت ، أو لم تؤبر ويرجع بالسقي والعلاج عند ابن القاسم وأشهب ، وأما إن كانت قد طابت أي أزهت فهي للمشتري سواء يبست ، أو لم تيبس ، أو لم تجذ ( الثالث ) : لو وجد الثمرة قبل طيبها وقبل أن تؤبر قال في المقدمات : فلا أذكر لأصحابنا فيها نصا ، والذي يوجبه النظر عندي على أصولهم أن ذلك فوت ; لأن جذ الثمرة في هذا الحال يعيب الأصل وينقص قيمته ، فيكون مخيرا بين أن يرده وما نقص ، أو يمسكه ويرجع بقيمة العيب قال : وكذلك إذا جذها بعد الإبار ، وقبل الطيب فالحكم فيها على ما تقدم ( الرابع ) .

                                                                                                                            قال في التوضيح : وقع لابن القاسم أنها لو هلكت الثمرة المأبورة عند المشتري بأمر من الله لم يضمنها المشتري فعارض هذا بعضهم بما قاله من أنه يرد الثمرة ; لأن قوله : يردها يدل على أن لها حصة من الثمن قوله : إنه لا يضمنها يدل على أنها غير مشتراة ، واعتذر عن ذلك بأنه إنما لم يضمنها لكونها غير مقبوضة للمشتري ، ولهذا منع بالطعام ; لأن النخل المؤبر طعام لكون الثمرة يتأخر قبضها ، وقال بعض المتأخرين : إنه يضمن الثمرة إذا اشتراها بعد الزهو ، وإن كانت بأمر من الله تعالى قاله المازري انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) وقع لابن القاسم ما قد يتبادر منه أن ذلك قول ضعيف ، وليس كذلك بل هو المذهب كما نص عليه في المدونة ، ونقل ابن عرفة المعارضة المذكورة عن ابن محرز عن بعض المذاكرين ، والتفرقة لبعضهم ، ثم ذكر عن ابن محرز أنه رد ذلك بأن ابن القاسم نص على أنه لو جذ الثمرة لكان ضامنا ، فلو لم يكن لها حصة من الثمن ما اختلف حكمها قبل جذها ، وبعده قال أيضا : لو جذها المشتري بعد طيبها ، ثم جاء شفيع حط عنه من الثمن ما ينوبها ، ثم قال ابن عرفة يريد رده بأنها قبل الجذ تابعة ، فلم يكن لها حصة من الثمن ، وهذه مستقلة ، فإن هلكت ضمنها كمال العبد يهلك قبل انتزاعه ، أو بعده ، وإليه أشار فيها ، ثم ذكر نص المدونة انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) وكلام المدونة بين صحيح في المعارضة ، ونصها : وإن كانت الثمرة يوم الشراء مأبورة فاشتراها ، فإن رددت النخلة بعيب رددت معها الثمرة ، وإلا فلا شيء لك ، فإن رددت معها كان لك أجر سقيك وعلاجك فيها ، ولما لم تكن واجبة إلا بالاشتراط صح أن لها من الثمن حصة ، ولم ألزمها لك بحصتها من الثمن كسلعة ثانية فيصير بيع ثمرة لم يبد صلاحها ، وهو كمال العبد إن انتزعه رددته معه حين ترده بعيب ، وإن هلك المال قبل انتزاعك لم يلزمك له نقص من ثمنه إن رددته بعيبك ، وكذلك ما يأتي على الثمرة بأمر من الله - سبحانه - قبل جذاذها انتهى .

                                                                                                                            قال ابن يونس في كتاب محمد : ولو انتزعته ، ثم هلك بأمر من الله ضمنته ، وكذلك الثمرة إذا جذذتها ، ثم هلكت فإنك تضمنها قاله محمد .

                                                                                                                            قال ابن يونس : وأما لو اشترطت الثمرة بعد الطيب فهذه إن هلكت قبل الجذاذ بأمر من الله فرددت النخل بعيب فلترد بحصتها من الثمن ، وكذلك إن جذها رطبا فأكلها ينظر ما قيمة النخل من قيمة الثمرة ، فإن كانت مثلها رجع بنصف الثمن ، وإن كان ثلثها رجع بثلثي الثمن ، وأما إن جذها تمرا ، وعرف مكيلتها ردها إن كانت قائمة ، فإن فاتت رد مثلها مع النخل انتهى .

                                                                                                                            فعلم أن بعض المتأخرين الذي ذكره في التوضيح عن المازري هو ابن يونس ( الخامس : ) مفهوم قوله : وصوف تم أنه لو اشتراها ، وليس عليها صوف ، أو عليها صوف غير تام ، ثم حصل الصوف عنده أو تم أنه لا يرده ، وهو كذلك إذا جزه قبل الاطلاع على العيب قال اللخمي : يختلف فيه هل يكون غلة بالتمام ، أو حتى يتعسل ، أو تجز قياسا على الثمرة هل [ ص: 465 ] تكون غلة بالطيب ، أو باليبس ، أو بالجذاذ فالتمام نظير الطيب ، والتعسيل كاليبس ، والجز كالجذاذ انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) قالوا : إذا قال يختلف فهو تخريج منه ، والذي في المقدمات أنه ما لم يجز ، وهو تبع للغنم قال : ولو جزه المبتاع بشيء من نفقته عليها بخلاف النخل ، والفرق بينهما أن الغنم لا غلة منها سوى الصوف ، ولو جزه المبتاع بعد أن اطلع على العيب لكان جزه لها رضا بالعيب ا هـ . ونقل ابن عرفة كلام اللخمي ، ولم يتعقبه والظاهر ما قاله ابن رشد والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية