الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 132 ] ( 6 ) باب ما لا حد فيه

                                                                                                                        1546 - قال مالك : إن أحسن ما سمع في الأمة يقع بها الرجل ، وله فيها شرك ، أنه لا يقام عليه الحد ، وأنه يلحق به الولد ، وتقوم عليه الجارية حين حملت ، فيعطى شركاؤه حصصهم من الثمن ، وتكون الجارية له ، وعلى هذا ، الأمر عندنا .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        35744 - قال أبو عمر : هذا واضح ؛ لأنه قد سمع الخلاف في هذه المسألة ، واختار منه ما ذهب إليه ، وذكره في " موطئه " ، وله من السلف في ذلك عبد الله بن عمر ، وشريح ، وإبراهيم ، وغيرهم ، ولم يفرق ابن عمر ، بين علم الواطئ بتحريمها عليه ، وبين جهله ، ولم ير عليه حدا ، وجعله خائنا .

                                                                                                                        35745 - وهو قول أبي حنيفة وأصحابه .

                                                                                                                        35746 - والقياس أحد قولي الشافعي ؛ لأنه قال في رجل له أمة ، وهي أخته في الرضاعة ، وطئها عالما بالتحريم ؛ فيها قولان :

                                                                                                                        35747 - ( أحدهما ) : عليه الحد .

                                                                                                                        35748 - ( والثاني ) : لا حد عليه ؛ لشبهة الملك التي لا شبهة له فيها .

                                                                                                                        35749 - وأما حديث ابن عمر ، فذكره أبو بكر ، قال : حدثني وكيع ، [ ص: 133 ] عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عمير بن نمير ، قالا : سئل ابن عمر ، عن جارية كانت بين رجلين ، فوقع عليها أحدهما ، فقال : ليس عليه حد ، هو خائن تقوم عليه قيمتها ويأخذها .

                                                                                                                        35750 - قال : وحدثني يحيى بن سعيد ، عن سعيد ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في جارية كانت بين رجلين ، فوقع عليها أحدهما فحملت ، قال تقوم عليه .

                                                                                                                        35751 - قال : وحدثني حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن حسن بن صالح ، عن ليث ، عن طاوس ، في الجارية تكون بين الرجلين ، فيطؤها أحدهما ، قال : عليه العقر بالحصة .

                                                                                                                        35752 - قال أبو عمر : من درأ عنه الحد ، ألحق به الولد ، وألزمه نصيب [ ص: 134 ] شريكه أو شركائه ، من صداق مثلها ، ولم يقومها عليه ، ومن قومها عليه ، لم يلزمه شيئا من الصداق .

                                                                                                                        35753 - وكان الحسن يقول : يعزر ، ويقوم عليه ، ذكره أبو بكر ، عن يزيد ، عن هشام ، عن الحسن .

                                                                                                                        35754 - قال : وحدثني كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، قال : بلغنا أن عمر بن عبد العزيز أتي بجارية كانت بين رجلين ، فوطئها أحدهما ، فحملت ، فاستشار في ذلك سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، وعروة بن الزبير ، فقالوا : نرى أن يجلد دون الحد ، ويقومونها قيمة ، ويدفع إلى شريكه نصف القيمة .

                                                                                                                        35755 - وقد روي عن سعيد بن المسيب ، في هذه المسألة قول آخر ؛ أنه يجلد الحد إلا سوطا واحدا .

                                                                                                                        35756 - ورواه معمر ، عن يحيى بن كثير ، قال : سئل سعيد بن المسيب ، ورجلان معه من فقهاء المدينة ، عن رجل وطئ جارية له فيها شرك ، فقالوا : عليه الحد إلا سوطا واحدا .

                                                                                                                        [ ص: 135 ] 35757 - وذكر أبو بكر ، قال : حدثني حفص بن غياث ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب ، في جارية ، كانت بين رجلين فوقع عليها أحدهما ، قال : يضرب تسعة وتسعين سوطا .

                                                                                                                        35758 - وقد جاء عن سعيد بن المسيب ، وفي ذلك أيضا رواية ثالثة ، ذكرها عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني داود بن أبي العاصم ، عن سعيد بن المسيب ، في رجلين بينهما جارية ، وطئاها معا ، قال : يجلد كل واحد منهما شطر العذاب ، وإنما درأ عنهما الرجم نصيب كل واحد منهما ، وإن ولدت دعي للولد القافة .

                                                                                                                        35759 - وعن معمر ، عن الزهري ، في رجل وطئ جارية ، وله شرك ، قال : يجلد مائة أحصن أو لم يحصن ، وتقوم عليه هي وولدها ، ثم يغرم لصاحبه الثمن ، قال معمر : وأما ابن شبرمة ، وغيره من فقهاء الكوفة ، فيقولون : تقوم عليه هي وولدها ، ثم يغرم لصاحبه الثمن ، قال معمر : ولا يقوم عليه ولدها .

                                                                                                                        35760 - قال أبو عمر : من قومها عليه يوم الوطء ، لم يقوم ولدها ، ومن [ ص: 136 ] قومها بعد الوضع ، قوم ولدها معها ، ويغرم لشريكه نصف قيمتها ، ونصف قيمة ولدها ، إن كانت بينهما نصفين .

                                                                                                                        35761 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني داود بن الجراح ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، في جارية بين ثلاثة وقع عليها أحدهم ، قال : عليه أدنى الحدين ، مائة ، وعليه ثلثا ثمنها ، وثلثا عقرها ، وثلثا قيمة الولد إن كان .

                                                                                                                        35762 - وذكر عبد الرزاق ، عن أبي حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، في الجارية تكون بين الرجلين ، فتلد من أحدهما ، قال : يدرأ عنه الحد بجهالته ، ويضمن لصاحبه نصيبه ، ونصف ثمن ولده .

                                                                                                                        35763 - قال : وإن كان بين أخوين ، فوقع عليها أحدهما ، فولدت ، قال : يدرأ عنه الحد ، ويضمن لأخيه قيمة نصيبه من الجارية ، وليس عليه قيمة في ولدها ؛ لأنه يعتق حين ملكه .

                                                                                                                        35764 - قال أبو عمر : هذا على ما ذكرنا في كتاب العتق - من مذهب الكوفيين - في أنه يعتق على إنسان كل ما ملكه من ذي رحم محرم منه .

                                                                                                                        [ ص: 137 ] 35765 - قال عبد الرزاق : وقال لنا سفيان الثوري : أما نحن فنقول في هذه : لا جلد ولا رجم ، ولكن تعزير .

                                                                                                                        35766 - ومذهب الأوزاعي فيها ، كمذهب الزهري ومكحول : يضرب أدنى الحدين ، أحصن أو لم يحصن .

                                                                                                                        35767 - وقال أبو ثور : عليه الحد كاملا ؛ لأنه وطئ فرجا محرما عليه ، إذا كان بالتحريم عالما .

                                                                                                                        35768 - قال أبو عمر : ليس كل من وطئ فرجا محرما عليه وطؤه يلزمه الحد ؛ لإجماعهم أن لا حد على من وطئ صائمة ، أو معتكفة ، أو محرمة ، أو حائضا ، وهي له زوجة أو أمة .

                                                                                                                        35769 - والذي عليه جمهور الفقهاء ، أن شبهة الملك شبهة يسقط من أجلها الحد .

                                                                                                                        35770 - وأحسن ما فيه عندي ، أن يلزم الواطئ نصف صداق مثلها ، إن كان له نصفها ، ونصف قيمتها ، ويدرأ عنه الحد . وبالله التوفيق .

                                                                                                                        35771 - وأما الرجل الغازي يطأ جارية من المغنم ، وله في المغنم نصيب ، فاختلف الفقهاء في هذا ، على غير اختلافهم في الجارية تكون بين الرجلين ، فيطؤها أحدهما أو كلاهما ؛ فاختلف في ذلك قول مالك وأصحابه ، وسائر أهل [ ص: 138 ] العلم ؛ منهم من رأى الحد عليه ، ومنهم من لم ير عليه حدا ؛ لأن له فيها نصيبا .

                                                                                                                        35772 - الذي رأى عليه الحد ، قال : ليس عليه نصيب معلوم ، ولا حصة متعينة ، ولا ينفذ له في نصيبه عتق ، فكأنه لا نصيب له فيها حتى يبرزه له السلطان .

                                                                                                                        35773 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن نافع ، أن غلاما لعمر بن الخطاب ، وقع على وليدة من الخمس ، فاستكرهها ، فأصابها ، وهو أمير على ذلك الرقيق فجلده عمر الحد ، ونفاه ، وترك الجارية ، ولم يجلدها ؛ من أجل أنه استكرهها .

                                                                                                                        35774 - قال أبو عمر : ذكر هذا الخبر عبد الرزاق ، في باب الرجل يصيب جارية من المغنم ، وهذا قد يمكن أن يكون الغلام عبدا ، لا حق له في الفيء ، وإنما فائدة هذا الخبر جلد العبد ونفيه ، وأن المستكرهة لا شيء عليها .

                                                                                                                        35775 - وقد مضى ذلك كله في موضعه من كتابنا هذا . والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        35776 - قال عبد الرزاق : وأخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرنا إسماعيل بن خالد ، أن رجلا عجل ، فأصاب وليدة من الخمس ، فقال : ظننت أنها تحل لي ، فقال علي رضي الله عنه : إن له فيها حقا ، فلم يجلده من أجل الذي له فيها .

                                                                                                                        [ ص: 139 ] 35777 - وذكر أبو بكر ، قال حدثني وكيع ، عن موسى بن عبيدة ، عن بكر بن داود ، أن عليا أقام على رجل وقع على جارية من الخمس الحد .

                                                                                                                        35778 - قال أبو عمر : كلا الخبرين عن علي منقطع ، لا حجة فيه ، ولا يقطع به على علي عليه السلام .

                                                                                                                        35779 - وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب في رجل وقع على جارية من المغنم قبل أن يقسم ، قال : يجلد مائة إلا سوطا ، أحصن أو لم يحصن .

                                                                                                                        35780 - وذكر أبو بكر ، قال : حدثني يزيد بن هارون ، عن هشام عن الحسن ، قال : إذا كان له في الفيء شيء عذر ويقوم عليه ، وكذلك في جارية بينه وبين رجل .

                                                                                                                        35781 - قال : وحدثني هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن الحكم ، أنه قال في رجل وطئ جارية من الفيء ؛ قال : ليس عليه حد ، له فيها نصيب .

                                                                                                                        35782 - وقد روي عن سعيد في ذلك خلاف ما تقدم .

                                                                                                                        [ ص: 140 ] 35783 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني عبدة ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : ليس عليه حد ، إذا كان له فيها نصيب .

                                                                                                                        35784 - قال أبو عمر : هذا أولى ؛ لأن الدماء محذورة إلا بيقين ، ولأن يخطئ الإمام في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة . وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية