الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط .

تذييلان للسورة وفذلكتان افتتحا بحرف التنبيه اهتماما بما تضمناه .

فأما التذييل الأول فهو جماع ما تضمنته السورة من أحوال المشركين المعاندين إذ كانت أحوالهم المذكورة فيها ناشئة عن إنكارهم البعث فكانوا في مأمن من التفكير فيما بعد هذه الحياة ، فانحصرت مساعيهم في تدبير الحياة الدنيا وانكبوا على ما يعود عليهم بالنفع فيها . [ ص: 22 ] وضمير ( إنهم ) عائد إليهم كما عاد ضمير الجمع في سنريهم .

وأما التذييل الثاني فهو جامع لكل ما تضمنته السورة من إبطال لأقوالهم وتقويم لاعوجاجهم ، لأن ذلك كله من آثار علم الله تعالى بالغيب والشهادة .

وتأكيد الجملتين بحرف التأكيد مع أن المخاطب بهما لا يشك في ذلك لقصد الاهتمام بهما واستدعاء النظر لاستخراج ما تحويانه من المعاني والجزئيات .

والمرية بكسر الميم وهو الأشهر فيها واتفقت عليه القراءات المتواترة ، وبكسر الميم وهو لغة مثل : خفية وخفية . والمرية : الشك . وحرف الظرفية مستعار لتمكن الشك بهم حتى كأنهم مظروفون فيه . و ( من ) ابتدائية وتعدى بها أفعال الشك إلى الأمر المشكوك فيه بتنزيل متعلق الفعل منزلة مثار الفعل بتشبيه المفعول بالمنشأ كأن الشك جاء من مكان هو المشكوك فيه .

وفي تعليقه بذات الشيء مع أن الشك إنما يتعلق بالأحكام مبالغة على طريقة إسناد الأمور إلى الأعيان والمراد أوصافها ، فتقدير في مرية من لقاء ربهم : في مرية من وقوع لقاء ربهم وعدم وقوعه كقوله تعالى : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا أي في ريب من كونه منزلا .

وأطلق الشك على جزمهم بعدم وقوع البعث لأن جزمهم خلي عن الدليل الذي يقتضيه ، فكان إطلاق الشك عليه تعريضا بهم بأن الأولى بهم أن يكونوا في شك على الأقل .

ووصف الله بالمحيط مجاز عقلي لأن المحيط بكل شيء هو علمه فأسندت الإحاطة إلى اسم الله لأن ( المحيط ) صفة من أوصافه وهو العلم .

وبهاتين الفذلكتين آذن بانتهاء الكلام فكان من براعة الختام .

التالي السابق


الخدمات العلمية