الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 399 ] باب اللقطة فائدة : قوله ( وهي المال الضائع من ربه ) . هو تعريف لمعناها الشرعي . وكذا قال غيره . قال الحارثي : وعلى هذا سؤالان .

أحدهما : قد يكون الملتقط غير ضائع . كالمتروك قصدا لأمر يقتضيه . ومنه المال المدفون والشيء الذي يترك ثقة به ، كأحجار الطحن ، والخشب الكبار .

والثاني : أنهم اختلفوا في التقاط الكلب المعلم . فعلى القول بالتقاطه : يكون خارجا عما ذكر . ومن قال من الأصحاب لا يلتقط : إنما قال لأجل كونه ممتنعا بنابه . لا لأنه غير مال . قال الحارثي : ويعصم من السؤال : أن يضاف إلى الحد " ما جرى مجرى المال " . قوله ( وتنقسم ثلاثة أقسام . أحدها : ما لا تتبعه الهمة ) .

يعني : همة أوساط الناس ، ولو كثر . وهذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . جزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع ، وغيره . ومثله المصنف ( بالسوط والشسع والرغيف ) . ومثله في الإرشاد ، وتذكرة ابن عقيل ، والهداية ، والمذهب ، والمستوعب . وجماعة : بالتمرة والكسرة ، وشسع النعل . وما أشبهه . ومثله في المغني " بالعصا والحبل " وما قيمته كقيمة ذلك . قال الحارثي " ما لا تتبعه الهمة " نص الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبد الله ، وحنبل : أنه ما كان مثل التمرة ، والكسرة ، والخرقة ، وما لا خطر له . فلا بأس . وقال في رواية ابن منصور : الذي يعرف من اللقطة : كل شيء ، إلا ما لا قيمة له [ ص: 400 ] وسئل الإمام أحمد رحمه الله في رواية حرب : الرجل يصيب الشسع في الطريق : أيأخذه ؟ قال : إذا كان جيدا مما لا يطرح مثله . فلا يعجبني أن يأخذه . وإن كان رديئا قد طرحه صاحبه : فلا بأس . قال الحارثي : فكلام الإمام أحمد رحمه الله : لا يوافق ما قال في المغني . ولا شك أن الحبل ، والسوط ، والرغيف : يزيد على التمرة ، والكسرة . قال : وسائر الأصحاب ، على ما قال الإمام أحمد رحمه الله في ذلك كله . ولا أعلم أحدا وافق المصنف ، إلا أبا الخطاب في الشسع فقط . انتهى . قال في الرعاية : وما قل ، كتمرة وخرقة ، وشسع نعل ، وكسرة . وقيل : ورغيف . انتهى . فحكي في الرغيف : الخلاف . وقيل : هو ما دون نصاب السرقة . قال في الكافي : ويحتمل أن لا يجب تعريف ما لا يقطع فيه السارق . وقيل : هو ما دون قيراط ، من عين أو ورق . اختاره أبو الفرج في المبهج والإيضاح . ورده المصنف . وذكر القاضي ، وابن عقيل : لا يجب تعريف الدانق . قال الحارثي : والظاهر أنه عنى دانقا من ذهب . كذا قال صاحب التلخيص . قال في الرعاية : وقيل : بل ما فوق دانق ذهب . وقال أيضا : وعنه يعرف الدرهم فأكثر .

فائدة : لو وجد كناس أو نخال ، أو مقلش قطعا صغارا متفرقة : ملكها بلا تعريف ، وإن كثرت . قوله ( فيملك بأخذه بلا تعريف ) . [ ص: 401 ] هذا المذهب . وعليه الأصحاب . ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله . وعنه : يلزمه تعريفه . ذكرها أبو الحسين . وقيل : يلزمه تعريفه مدة يظن طلب ربه له . اختاره في الرعاية .

فوائد : منها : ما قاله في التبصرة : إن الصدقة بذلك أولى .

ومنها : أنه لا يلزمه دفع بدله إذا وجد ربه . على الصحيح من المذهب . وقوة كلام المصنف هنا : تقتضيه لقوله " فيملك بأخذه بلا تعريف " وقدمه في الفروع . وقال في التبصرة : يلزمه . قال في الفروع : وكلامهم فيه يحتمل وجهين . وقيل : للإمام أحمد رحمه الله ، في التمرة يجدها ، أو يلقيها عصفور ، أيأكلها ؟ قال : لا . قال : أيطعمها صبيا ، أو يتصدق بها ؟ قال : لا يعرض لها . نقلها أبو طالب ، وغيره . واختاره عبد الوهاب الوراق .

ومنها : لا يعرف الكلب إذا وجده ، بل ينتفع به إذا كان مباحا . على الصحيح من المذهب . وقيل : يعرف سنة . ويأتي قريبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية