الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في إكمال النصاب ، وإن اختلفت أوقاته بأن كان له نخيل بتهامة ، ونخيل بنجد ، فأدرك ثمر التي بتهامة فجذها ، وحملت التي بنجد ، وأطلعت التي بتهامة ، وأدركت قبل أن تجذ التي بنجد لم يضم أحدهما إلى الآخر ; لأن ذلك ثمرة عام آخر ، وإن حملت نخل حملا فجذ [ ها ] ، ثم حملت حملا آخر لم يضم ذلك إلى الأول ; لأن النخل لا يحمل في عام مرتين . [ فيعتبر كل واحد منهما بنفسه ، فإن بلغ نصابا وجب فيه العشر وإن لم يبلغ لم يجب ] ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : هذه المسألة ذكرها المصنف مختصرة جدا ، وهي في كلام الأصحاب مبسوطة بسطا شافيا ، وقد جمع الرافعي رحمه الله تعالى معظم كلام الأصحاب واختصره ولخصه فقال : لا خلاف أن ثمرة العام الثاني لا تضم إلى الأول في إكمال النصاب ، سواء أطلعت ثمرة العام الثاني قبل جذاذ . الأول أو بعده ، ولو كان له نخيل أو عنب يحمل في العام الواحد مرتين ، لم يضم الثاني بلا خلاف ; لأن كل حمل كثمرة عام . قال الأصحاب : هذا لا يكاد يتصور في النخل والعنب ، فإنهما لا يحملان في السنة حملين ، وإنما يتصور في التين وغيره مما لا زكاة فيه . قالوا : وإنما ذكر الشافعي رضي الله عنه المسألة بيانا لحكمها لو تصور ، ثم القاضي ابن كج فصل ، فقال : إن أطلعت النخلة الحمل الثاني بعد جذاذ الأول فلا ضم . وإن أطلعت قبل جذاذه وبعد بدو الصلاح ففيه الخلاف الذي سنذكره إن شاء الله تعالى في حمل نخلتين ، قال الرافعي : وهذا الذي قاله ابن كج لا يخالف إطلاق الجمهور في عدم الضم ; لأن السابق إلى الفهم من الحمل الثاني هو الحادث بعد جذاذ الأول . [ ص: 442 ] أما إذا كان نخيل أو أعناب يختلف إدراك ثمارها في العام الواحد لاختلاف أنواعها أو لاختلاف بلادها حرارة وبرودة أو غير ذلك نظر إن أطلع المتأخر قبل بدو صلاح الأول فوجهان ( أحدهما ) : وبه قال ابن كج وأصحاب القفال : لا ضم ; لأن الثاني حدث بعد انصرام الأول فأشبه ثمرة العام الثاني ، وهو الأصح عند الماوردي ، ( والثاني ) : وبه قطع أصحاب الشيخ أبي حامد : يضم وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه ; لأنها ثمرة عام واحد . قلت : هذا الثاني هو الصحيح وصححه الرافعي في المحرر . وإن أطلع المتأخر بعد بدو صلاح الأول وقبل جذاذه ( فإن قلنا ) فيما بعد الجذاذ : يضم ، فهنا أولى وإلا فوجهان ( أصحهما ) : عند الماوردي والبغوي وبه قال أبو إسحاق وابن أبي هريرة لا يضم لحدوث الثاني بعد وجوب الزكاة في الأول ، ( والثاني ) : يضم لاجتماعهما على رءوس النخل كما لو أطلع قبل بدو صلاح الأول .

                                      فإن قلنا بقول أصحاب القفال فهل يقوم وقت الجذاذ مقام الجذاذ ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) يقوم ، وبه قطع الصيدلاني ; لأنها بعد دخول وقت الجذاذ كالمجذوذة ولهذا لو أطلعت النخلة للعام الثاني وعليها بعض ثمرة الأول لم يثبت الضم بلا خلاف . فعلى هذا قال إمام الحرمين لجذاذ الثمار أول وقت ونهاية ويكون ترك الثمار إليها أولى وتلك النهاية هي المعتبرة .

                                      ( واعلم ) أن من مواضع اختلاف إدراك الثمار نجدا وتهامة . فتهامة حارة يسرع إدراك الثمرة بها بخلاف نجد ، فإذا كانت للرجل نخيل تهامية ونخيل نجدية فأطلعت التهامية ، ثم النجدية لذلك العام واقتضى الحال ضم النجدية إلى التهامية على ما سبق بيانه فضممنا ، ثم أطلعت التهامية مرة أخرى فلا تضم التهامية الثانية إلى النجدية ، وإن أطلعت قبل بدو صلاحها ، لأنا لو ضممناها إلى النجدية لزم ضمها إلى التهامية الأولى ، وذلك لا يجوز بالاتفاق . هكذا قاله الأصحاب . قال الصيدلاني وإمام الحرمين : ولو لم تكن النجدية مضمومة إلى التهامية الأولى بأن أطلعت بعد جذاذها ضممنا التهامية الثانية إلى النجدية ; لأنه لا يلزم المحذور الذي ذكرناه . قال الرافعي : وهذا قد [ ص: 443 ] لا يسلمه سائر الأصحاب ; لأنهم حكموا بضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض ، وبأنه لا تضم ثمرة عام إلى ثمرة عام آخر والتهامية الثانية حمل عام آخر ، هذا آخر ما ذكره الرافعي ، قال الدارمي والماوردي والبندنيجي وغيرهم : إذا كان على النخلة بلح وبسر ورطب ضم بعضه إلى بعض بلا خلاف ; لأنه حمل واحد ، والله تعالى أعلم .

                                      قالوا : ولو كان بعض نخله أو عنبه يحمل حملين ، وبعضها حملا ، فإن ذات الحمل يضم إلى ما يوافقه في الزمان من الحملين . قال البندنيجي : فإن أشكلا فلم يعلم مع أيهما كان ضم إلى أقرب الحملين إليه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                      الخدمات العلمية