الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ( 89 ) فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ( 90 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :

واذكر يا محمد زكريا حين نادى ربه ( رب لا تذرني ) وحيدا ( فردا ) لا ولد لي ولا عقب ( وأنت خير الوارثين ) يقول : فارزقني وارثا من آل يعقوب يرثني ، ثم رد الأمر إلى الله فقال وأنت خير الوارثين ، يقول الله جل ثناؤه : فاستجبنا لزكريا دعاءه ، ووهبنا له يحيى ولدا ووارثا يرثه ، وأصلحنا له زوجه .

واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي عناه الله جل ثناؤه بقوله ( وأصلحنا له زوجه ) فقال بعضهم : كانت عقيما فأصلحها بأن جعلها ولودا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن عمار ، عن سعيد ، في قوله ( وأصلحنا له زوجه ) قال : كانت لا تلد .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله ( وأصلحنا له زوجه ) قال : وهبنا له ولدها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله [ ص: 521 ] ( وأصلحنا له زوجه ) كانت عاقرا ، فجعلها الله ولودا ، ووهب له منها يحيى .

وقال آخرون : كانت سيئة الخلق ، فأصلحها الله له بأن رزقها حسن الخلق .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أصلح لزكريا زوجه ، كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخلق ، لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها ، ولم يخصص الله جل ثناؤه بذلك بعضا دون بعض في كتابه ، ولا على لسان رسوله ، ولا وضع على خصوص ذلك دلالة ، فهو على العموم ما لم يأت ما يجب التسليم له بأن ذلك مراد به بعض دون بعض .

وقوله ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ) يقول الله : إن الذين سميناهم ، يعني زكريا وزوجه ويحيى ، كانوا يسارعون في الخيرات في طاعتنا ، والعمل بما يقربهم إلينا ، وقوله ( ويدعوننا رغبا ورهبا ) يقول تعالى ذكره : وكانوا يعبدوننا رغبا ورهبا ، وعنى بالدعاء في هذا الموضع العبادة ، كما قال ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا ) ويعني بقوله ( رغبا ) أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله ( ورهبا ) يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه ، بتركهم عبادته وركوبهم معصيته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا ) قال : رغبا في رحمة الله ، ورهبا من عذاب الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( ويدعوننا رغبا ورهبا ) قال : خوفا وطمعا ، قال : وليس ينبغي لأحدهما أن يفارق الآخر .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( رغبا ورهبا ) بفتح الغين والهاء من الرغب والرهب ، واختلف عن الأعمش في ذلك ، فرويت عنه الموافقة في ذلك للقراء ، وروي عنه أنه قرأها رغبا ورهبا بضم الراء في الحرفين وتسكين الغين والهاء . [ ص: 522 ] والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، وذلك الفتح في الحرفين كليهما .

وقوله ( وكانوا لنا خاشعين ) يقول : وكانوا لنا متواضعين متذللين ، ولا يستكبرون عن عبادتنا ودعائنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية