الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أشار بالتوكل إلى أنه الكافي في أمر الرزق في الوطن والغربة ، لا مال ولا أهل ، قال عاطفا على ما تقديره : فكأي من متوكل عليه كفاه ، ولم يحوجه إلى أحد سواه ، فليبادر من أنقذه من الكفر وهداه إلى الهجرة طالبا لرضاه : وكأين من دابة أي : كثير من الدواب العاقلة وغيرها لا تحمل أي : لا تطيق أن تحمل رزقها ولا تدخر شيئا لساعة أخرى ، لأنها قد لا تدرك نفع ذلك ، وقد تدركه وتتوكل ، أو لا تجد.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان موضع أن يقال : فمن يرزقها؟ قال جوابا له : الله أي : المحيط علما وقدرة ، المتصف بكل كمال يرزقها وهي لا تدخر وإياكم وأنتم تدخرون ، لا فرق بين ترزيقه لها على ضعفها وترزيقه لكم [ ص: 469 ] على قوتكم وادخاركم ، فإن الفريقين تارة يجدون وتارة لا يجدون ، فصار الادخار وعدمه غير معتد به ولا منظور إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان أهم ما للحيوان الرزق ، فهو لا يزال في تدبيره بما يهجس في ضميره وينطق به إن كان ناطقا ويهمهم به إن كان صامتا ، أما العاقل فبأمور كلية ، وأما غيره فبأشياء جزئية وحدانية ، وكان العاقل ربما قال : إني لا أقدر على قطع العلائق من ذلك ، قال تعالى : وهو السميع أي : لما يمكن أن يسمع في أمره وغير أمره العليم أي : بما يعلم من ذلك ، وبما يصير إليه أمركم وأمر عدوكم ، فهو لم يأمركم بما أمركم به إلا وقد أعد له أسبابه ، وهو قادر على أن يسبب لما اعتمد عليه الإنسان من الأسباب المنتجة عنده ولابد ما يعطله ، وعلى أن يسبب للمتوكل القاطع للعلائق ما يغنيه ، ومن طالع كتب التصوف وتراجم القوم وسير السلف - نفعنا الله بهم - وجد كثيرا من ذلك بما يبصره ويسليه سبحانه ويصبره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية