الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل في ذكر إسلام زيد بن سعنة وما في الحديث من دلائل النبوة :

341 - ذكر أبو داود السجستاني ، حدثنا الحوطي ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام أن الله - عز وجل - لما أراد هداية زيد بن سعنة ، قال : ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجوه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما فيه : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما ، فقال : فبينا أنا أتلطف له لأن أخالطه ، فأعرف حلمه من جهله خرج يوما من الحجرات ، ومعه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، فجاء رجل يسير على راحلته كالبدوي ، فقال : يا رسول الله ، إن بصرى قرية بني فلان قد أسلموا ، ودخلوا في الإسلام ، وحدثتهم إن أسلموا أتتهم أرزاقهم رغدا ، وقد أصابتهم ، وشدة ، وقحوط من الغيث ، وأنا مشفق أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا ، فإن رأيت ، فقلت : أنا أبتاع منك كذا ، وكذا من حائط - صلى الله عليه وسلم - أما من من حائط فلان مسمى ، فلا ، ولكن أبيعك كذا ، وكذا وسقا إلى أجل مسمى ، فبايعني ، فأطلقت همياني ، فأعطيته ثمانين دينارا ، ودفعها إلى الرجل ، وقال : اعجل إليهم ، وأعطهم ، فلما كان قبل محل حقي بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، ونفر من أصحابه ، قال زيد : فلما صلى على الجنازة ، ودنا من جدار يجلس إليه جبذت بردائه جبذة حتى سقط عن عاتقه ، ثم أقبلت عليه بوجه جهم غليظ ، فقلت : ألا تقضيني يا محمد ، والله ما علمتكم يا بني عبد المطلب لمطل ، قال زيد : فأرعدت فرائص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كالفلك المستدير ، ثم رماني ببصره ، ثم قال : أي عدو الله ، تقول هذا لرسول الله ؟ وتصنع به ما أرى ؟ وتقول له ما أسمع ؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أخاف فوته لضربت بسيفي رأسك ، قال زيد : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى عمر في سكون ، وتؤدة ، وتبسم ، ثم قال : أنا وهو أحوج إلى غير هذا منك عمر ، فقضاني ، وأعطاني عشرين صاعا من تمر ، فلما فرغ قلت له : أتعرفني يا عمر ؟ قال : لا ، قلت : أنا زيد بن سعنة ، قال عمر : الحبر ؟ قلت : نعم ، قال عمر : فما حملك على ما صنعت ؟ قال زيد : فقلت له : إنه لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نظرت إليه إلا اثنتين أحببت أن أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده [ ص: 234 ] الجهل إلا حلما ، فرضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وأشهدك يا عمر ، أن شطر مالي - فإني أكثر أهلها مالا - صدقة على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، قال عمر : أو على بعضهم ، فإنك لا تسعهم ، قال زيد : أو بعضهم ، فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ، ورسوله ، وآمن به ، وصدقه ، وشهد معه مشاهد كثيرة ، وهلك في غزوة تبوك مقتولا ، قال الوليد : ذكره محمد بن حمزة ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن سلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية