الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر اختلاف السلف في ميراث الأخت مع البنت لم يختلف عن علي وعمر وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل في رجل خلف بنتا وأختا لأب وأم وعصبة أن للبنت النصف وما بقي فللأخت ، فجعلوها عصبة مع البنات . وقال عبد الله بن عباس وابن الزبير : " للبنت النصف وما بقي فللعصبة وإن بعد نسبهم ، ولا حظ للأخت في الميراث مع البنت " ؛ وروي أن ابن الزبير رجع عن ذلك بعد أن قضى به وروي أنه قيل لعبد الله بن عباس : إن عليا وعبد الله وزيدا كانوا يجعلون الأخوات مع البنات عصبة فيورثونهن فاضل المال ، فقال : أأنتم أعلم أم الله ؟ يقول الله تعالى : إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وأنتم تجعلون لها مع الولد النصف .

قال أبو بكر : مما يحتج به للقول الأول قوله تعالى : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا فظاهره يقتضي توريث الأخت مع البنت ؛ لأن أخاها الميت هو من الأقربين ، وقد جعل الله ميراث الأقربين للرجال والنساء .

ويحتج فيه بحديث أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت لأب وأم أن للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت ، فأعطى للأخت بقية المال بعد السهام وجعلها عصبة مع البنت .

وأما احتجاج من يحتج في ذلك بأن الله تعالى إنما جعل لها النصف إذا لم يكن ولد ، ولا يجوز أن يجعل لها النصف مع الولد ؛ فإنه غير لازم من قبل أن الله تعالى نص على سهمها عند عدم الولد ولم ينف ميراثها مع وجوده ، وتسميته لها النصف عند عدم الولد لا دلالة فيه على سقوط حقها إذا كان هناك ولد ؛ إذ لم يذكر هذه الحال بنفي الميراث ولا بإيجابه ، فهو موقوف على دليله . ومع ذلك فإن معناه : إن امرؤ هلك وليس له ولد ذكر ؛ بدلالة قوله تعالى في نسق التلاوة : وهو يرثها يعني الأخ يرث الأخت إن لم يكن لها ولد معناه عند الجميع : إن لم يكن لها ولد ذكر إذ لا خلاف بين الصحابة أنها إذا تركت ولدا أنثى وأخا أن للبنت النصف والباقي للأخ ، والولد المذكور هاهنا هو المذكور بديا في أول الآية . وأيضا قال الله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ومعناه عند الجميع : إن كان له ولد ذكر ؛ لأنه لا خلاف بين الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء أنه لو ترك [ ص: 27 ] ابنة وأبوين أن للبنت النصف وللأبوين السدسان والباقي للأب ، فيأخذ الأب في هذه الحال مع الولد الأنثى أكثر من السدس ، وأن قوله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد على أنه ولد ذكر ، وكذلك لو ترك أبا وبنتا كان للبنت النصف وللأب النصف ؛ فقد أخذ في هاتين المسألتين أكثر من السدس مع الولد .

قال أبو بكر : وشذت طائفة من الأمة فزعمت أنه إذا ترك بنتا وأختا كان المال كله للبنت ، وكذلك البنت والأخ . وهذا قول خارج عن ظاهر التنزيل واتفاق الأمة ، قال الله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف فنص على سهم البنت وسهم ما فوق الثنتين ، وجعل لها إذا انفردت النصف وإذا ضامها غيرها الثلثين لهما جميعا ؛ فغير جائز أن تعطى أكثر منه إلا بدلالة .

فإن قيل : إذا كان ذكر النصف والثلثين غير دال على نفي ما فوقهما على ما ذكرت فليس إذا في الظاهر نفي ما زاد وإنما تحتاج إلى أن تطالب خصمك بإقامة الدلالة على أن الزيادة مستحقة . قيل له : لما كان قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم أمرا باعتبار السهام المذكورة ؛ إذ كانت الوصية أمرا ، أوجب ذلك اعتبار كل فرض مقدر في الآية على حياله ممنوعا من الزيادة والنقصان فيه ، فاقتضى ذلك وجوب الاقتصار على المقادير المذكورة لمن سميت له غير زائدة ولا ناقصة ، ولم يقل بذلك من حيث خصه بالذكر دون ما تقدم من الأمر باعتبارها في ابتداء الخطاب ، فلذلك منعنا الزيادة عليها إلا بدلالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية