الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 459 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( والمستحب إذا بدا الصلاح في النخل والكرم أن يبعث الإمام من يخرص لحديث عتاب بن أسيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الكرم : يخرص كما يخرص النخل ويؤدى زكاته زبيبا كما يؤدى زكاة النخل تمرا } ; ولأن في الخرص احتياطا لرب المال والمساكين ، فإن رب المال يملك التصرف بالخرص ويعرف المصدق حق المساكين ، فيطالب به . وهل يجوز خارص واحد أو لا ؟ فيه قولان : ( أحدهما ) : يجوز وهو الصحيح كما يجوز حاكم واحد ، ( والثاني ) : لا يجوز أقل من خارصين كما لا يجوز أقل من مقومين ، فإن كانت أنواعا مختلفة خرص عليه نخلة نخلة ، وإن كانت نوعا واحدا ، فهو بالخيار ، بين أن يخرص نخلة نخلة ، وبين أن يخرص الجميع دفعة ، فإذا عرف مبلغ الجميع ضمن رب المال حق الفقراء ، فإن ضمن حقهم جاز له أن يتصرف فيه بالبيع ، والأكل وغير ذلك . فإن ادعى رب المال بعد الخرص هلاك الثمرة ، فإن كان ذلك لجائحة ظاهرة لم يقبل حتى يقيم البينة ، فإذا أقام البينة أخذ بما قال ، وإن لم يصدقه حلفه ، وهل اليمين مستحبة أو واجبة ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) : أنها واجبة ، فإن حلف سقطت الزكاة وإن نكل لزمته الزكاة ، ( والثاني ) : أنها مستحبة فإن حلف سقطت الزكاة ، وإن نكل سقطت الزكاة .

                                      وإن ادعى الهلاك بسبب يخفى كالسرقة وغيرها ، فالقول قوله مع يمينه ، وهل اليمين واجبة أو مستحبة ؟ على الوجهين ، فإن تصرف رب المال في الثمار وادعى أن الخارص قد أخطأ في الخرص ، نظرت فإن كان في قدر لا يجوز أن يخطئ فيه كالربع والثلث لم يقبل قوله ، وإن كان في قدر يجوز أن يخطئ فيه قبل قوله مع يمينه ، وهل تجب اليمين أو تستحب ؟ على الوجهين ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : فيه مسائل : ( إحداها ) : خرص الرطب والعنب اللذين تجب فيهما الزكاة سنة ، هذا هو نص الشافعي رضي الله عنه في جميع كتبه ، وقطع به الأصحاب في طرقهم وحكى الصيمري وصاحب البيان عن حكايته وجها أن الخرص واجب وهذا شاذ ضعيف قال أصحابنا : ولا مدخل للخرص في الزرع بلا خلاف لعدم التوقيف فيه ولعدم الإحاطة كالإحاطة بالنخل والعنب ، وممن نقل الاتفاق عليه إمام الحرمين قال أصحابنا : ووقت خرص الثمرة بدو الصلاح ، وصفته أن يطوف بالنخلة ، ويرى جميع عناقيدها ويقول : خرصها كذا وكذا ، ثم يفعل بالنخلة الأخرى كذلك ، ثم باقي الحديقة ولا يجوز الاقتصار على رؤية البعض وقياس الباقي به ; لأنها تتفاوت وإنما يخرص رطبا ، ثم يقدر تمرا ; لأن الأرطاب تتفاوت ، فإن اختلف نوع الثمر وجب خرص شجرة شجرة ، وإن [ ص: 460 ] اتحد جاز كذلك وهو الأحوط . وجاز أن يطوف بالجميع ، ثم يخرص الجميع دفعة واحدة رطبا ، ثم يقدر تمرا ، هذا الذي ذكرناه هو الصحيح المشهور في المذهب وقال صاحب الحاوي : اختلف أصحابنا في قول الشافعي : يطوف بكل نخلة فقيل : هو شرط لا يصح الخرص إلا به ; لأنه اجتهاد ، فوجب بذل المجهود فيه ، وقيل هو مستحب واحتياط وليس بشرط ; لأن فيه مشقة ، والثالث : قال وهو الأصح : إن كانت الثمار على السعف ظاهرة كعادةالعراق فمستحب ، وإن استترت به كعادة الحجاز فشرط .



                                      ( المسألة الثانية ) : المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به المصنف والأكثرون أنه يخرص لجميع النخل والعنب . وفيه قول الشافعي أنه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكلها أهله ، ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم ، وهذا القول نص عليه في القديم وفي البويطي . ونقله البيهقي عن نصه في البويطي والبيوع والقديم . وحكاه صاحب التقريب والماوردي وإمام الحرمين وآخرون ، لكن في حكاية الماوردي أنه يترك الربع أو الثلث ، ويحتج له بحديث عبد الرحمن بن مسعود بن نيار عن سهل بن حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " { إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع } رواه أبو داود والترمذي والنسائي وإسناده صحيح ; إلا عبد الرحمن فلم يتكلموا فيه بجرح ولا تعديل ولا هو مشهور ; ولم يضعفه أبو داود والله تعالى أعلم .



                                      ( الثالثة ) : هل يكفي خارص واحد أم يشترط اثنان ؟ فيه طريقان : ( أحدهما ) : القطع بخارص ، كما يجوز حاكم واحد ، وبهذا الطريق قال ابن سريج والإصطخري ، وقطع به جماعة من المصنفين ( وأصحهما ) وأشهرهما : وبه قطع المصنف والأكثرون : فيه قولان . قال الماوردي : وبهذا الطريق قال أبو إسحاق وابن أبي هريرة وجمهور أصحابنا المتقدمين ( أصحهما ) : باتفاقهم خارص ، ( والثاني ) : يشترط اثنان كما يشترط في التقويم اثنان . وحكي وجه إن خرص على صبي أو مجنون أو سفيه أو غائب اشترط اثنان وإلا كفى واحد . وهذا الوجه مشهور في طريقة العراقيين ، حكاه أبو علي في الإفصاح ، والماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد والدارمي وآخرون من العراقيين . وذكر إمام الحرمين أن صاحب التقريب [ ص: 461 ] حكاه قولا للشافعي ، وتوهم هذا القائل من فرق الشافعي بينهما في الأم ، واتفق الأصحاب على أن هذا الوجه غلط ، قال الماوردي وغيره : وإنما فرق الشافعي بينهما في الأم جواز تضمين الكبير ثماره بالخرص دون الصغير ، فاشتبه ذلك على صاحب هذا الوجه ، قال أصحابنا : وسواء شرطنا العدد أم لا ، فشرط الخارص كونه مسلما عدلا عالما بالخرص .

                                      ( وأما ) الذكورة والحرية فذكر الشاشي في اشتراطهما وجهين مطلقا ، والأصح اشتراطهما ، وصححه الرافعي في المحرر . وقال أبو المكارم في العدة : إن قلنا يكفي خارص كالحاكم اشترطت الذكورة والحرية وإلا فوجهان : ( أحدهما ) : الجواز ، كما يجوز كونه كيالا ووزانا ، ( والثاني ) : لا ; لأنه يحتاج إلى اجتهاد كالحاكم بخلاف الكيل والوزن . قال الرافعي بعد أن ذكر كلام أبي المكارم : لك أن تقول : إن اكتفينا بواحد ، فهو كالحاكم فيشترطان ، وإن شرطنا اثنين فسبيله سبيل الشهادة ، فينبغي أن تشترط الحرية وأن تشترط الذكورة في أحدهما ، ويقام امرأتان مقام الآخر ، فحصل من هذا كله أن المذهب اشتراط الحرية والذكورة دون العدد . فلو اختلف الخارصان في المقدار ، قال الدارمي : توقفنا حتى نتبين المقدار منهما أو من غيرهما ، وحكى السرخسي فيه وجهين : ( أحدهما ) : يؤخذ بالأقل ; لأنه اليقين ، ( والثاني ) : يخرصه ثالث ، ويؤخذ بمن هو أقرب إلى خرصه منهما ، وهذا الثاني هو الذي جزم به الدارمي ، وهو الأصح ، والله تعالى أعلم .



                                      ( الرابعة ) : الخرص هل هو عبرة أم تضمين ؟ ، فيه قولان مشهوران في طريقة الخراسانيين ( أصحهما ) : تضمين ، ومعناه ينقطع حق المساكين من عين الثمرة وينتقل إلى ذمة المالك ، ( والثاني ) : عبرة ، ومعناه أنه مجرد اعتبار للقدر ، ولا ينقطع حق المساكين من عين الثمرة ; وبالأول قطع المصنف والعراقيون . ومن فوائد الخلاف أنه هل يجوز التصرف في كل الثمار بعد الخرص ؟ إن قلنا تضمين جاز ، وإلا ففيه خلاف سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ، ( ومنها ) أنه لو أتلف المالك الثمار أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص ، ولولا الخرص لكان القول قوله في ذلك . فإن قلنا : الخرص عبرة فضمن الساعي المالك حق المساكين تضمينا صريحا ، وقبله المالك كان لغوا ويبقى [ ص: 462 ] حقهم على ما كان ، وإن قلنا تضمين فهل نفس الخرص تضمين أم لا بد من تصريح الخارص بذلك ؟ فيه طريقان : " أحدهما " : على وجهين ، " أحدهما " نفسه تضمين ، " والثاني " : لا بد من التصريح ، قال إمام الحرمين وعلى هذا فالذي أراه أنه يكفي تضمين الخارص ولا يفتقر إلى قبول المالك .

                                      ( والطريق الثاني ) : وهو المذهب وعليه العمل وبه قطع الجمهور أنه لا بد من التصريح بالتضمين وقبول المالك ، فإن لم يضمنه أو ضمنه فلم يقبله المالك بقي حق المساكين كما كان ، وهل يقوم وقت الخرص مقام الخرص ؟ إن قلنا : لا بد من التصريح لم يقم وإلا فوجهان ( أصحهما ) : لا يقوم ، والله تعالى أعلم .



                                      ( الخامسة ) : إذا أصابت الثمار آفة سماوية ، أو سرقت من الشجرة أو من الجرين قبل الجفاف نظر ، إن تلفت كلها فلا شيء على المالك باتفاق الأصحاب لفوات الإمكان كما لو تلفت الماشية قبل التمكن من الأداء ، والمراد إذا لم يقصر المالك ، فأما إذا أمكن الدفع وأخر ، ووضعها في غير حرز فإنه يضمن قطعا لتفريطه ، ولو تلف بعض الثمار فإن كان الباقي نصابا زكاه ، وإن كان دونه بني على أن الإمكان شرط الوجوب أو الضمان ، فإن قلنا بالأول فلا شيء ، وإن قلنا بالثاني زكى الباقي بحصته هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وذكره صاحب الحاوي ، ثم قال : ومن أصحابنا من قال : يلزمه زكاة ما بقي قولا واحدا ، وهذا شاذ ضعيف .

                                      ( أما ) إذا أتلف المالك الثمرة أو أكلها ، فإن كان قبل بدو الصلاح ، فقد سبق أنه لا زكاة عليه ، لكن يكره إن قصد الفرار من الزكاة ، وإن قصد الأكل أو التخفيف عن الشجرة أو غرضا آخر فلا كراهة ، وإن كان بعد بدو الصلاح ضمن للمساكين ، ثم له حالان .

                                      ( أحدهما ) : أن يكون ذلك بعد الخرص . فإن قلنا : الخرص تضمين ضمن لهم عشر التمر ; لأنه ثبت في ذمته بالخرص ، وإن قلنا : عبرة فهل يضمن عشر الرطب أم قيمة عشره ؟ فيه وجهان بناء على أنه مثلي أم لا ؟ ( والصحيح ) الذي قطع به الجمهور : عشر القيمة ، وقد سبقت المسألة قريبا .

                                      ( الحال الثاني ) : أن يكون الإتلاف قبل الخرص فيعزر ، والواجب ضمان الرطب إن قلنا لو جرى الخرص لكان [ ص: 463 ] عبرة ، ( فإن قلنا ) لو جرى لكان تضمينا فوجهان : ( أصحهما ) : يضمن الرطب ، ( والثاني ) : ضمان التمر . وحكى الرافعي وجها أنه يضمن أكثر الأمرين من عشر التمر وقيمة عشر الرطب . والحالان مفروضان في رطب يجيء منه تمر ، وعنب يجيء منه زبيب ، فإن لم يكن كذلك ، فالواجب في الحالين ضمان الرطب بلا خلاف .



                                      ( السادسة ) : تصرف المالك فيما خرص عليه بالبيع والأكل وغيرهما مبني على أقوال التضمين ، والعبرة إن قلنا بالتضمين تصرف في الجميع ، وإن قلنا بالعبرة فنفوذ تصرفه في قدر الزكاة يبنى على أن الزكاة تتعلق بالعين ، أم بالذمة ، وسبق بيانه ، وأما ما زاد على قدر الزكاة ، فنقل إمام الحرمين والغزالي اتفاق الأصحاب على نفوذه . قال الرافعي : ولكن الموجود في كتب العراقيين أنه لا يجوز البيع ولا سائر التصرفات في شيء من الثمار ، إذا لم يصر التمر في ذمته بالخرص ، فإن أرادوا نفي الإباحة دون فساد البيع فذاك ، وإلا فدعوى الإمام الاتفاق غير مسلمة ، وكيف كان ، فالمذهب جواز التصرف في الأعشار التسعة سواء انفردت بالتصرف ، أم تصرف في الجميع ; لأنا وإن قلنا بالفساد في قدر الزكاة ، فلا نعديه إلى الباقي على المذهب ، وقد سبق تحريم الأكل والتصرف قبل الخرص ، وأنه إذا لم يجد خارصا متوليا حكم عدلين والله تعالى أعلم .



                                      ( السابعة ) : إذا ادعى المالك هلاك الثمرة المخروصة عليه أو بعضها نظر إن أضاف الهلاك إلى سبب يكذبه الحس بأن قال : هلكت بحريق وقع في الجرين في الوقت الفلاني ، وعلمنا كذبه لم يلتفت إلى كلامه بلا خلاف وصرح به صاحب الحاوي وإمام الحرمين وغيرهما ، وإن أضافه إلى سبب خفي كالسرقة ونحوها لم يكلف بينة ، بل القول قوله بيمينه ، وهذه اليمين مستحبة أم واجبة ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) : مستحبة ، فلا زكاة عليه فيما يدعي هلاكه ، سواء حلف أم لا ، ( والثاني ) : واجبة فإن حلف سقطت الزكاة ، وإن نكل أخذت منه بالوجوب السابق لا بالنكول ; لأن الزكاة وجبت وادعى سقوطها ، ولم يثبت المسقط ، فبقي الوجوب ، وإن أضاف الهلاك إلى سبب ظاهر كالحريق والنهب والجراد [ ص: 464 ] ونزول العسكر ونحو ذلك ، فإن عرف وقوع ذلك السبب وعموم أثره صدق بلا يمين ، وإن اتهم في هلاك ثماره به حلف .

                                      وهل اليمين مستحبة أم واجبة ؟ فيه وجهان ، وإن لم يعرف وقوع السبب فثلاثة أوجه : الصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور يطالب بالبينة على وجود أصل السبب لإمكانها ، ثم القول قوله في الهلاك به ، ( والثاني ) : يقبل قوله بيمينه ، حكاه إمام الحرمين عن والده ( والثالث ) : يقبل قوله بلا يمين إذا كان ثقة حكاه الرافعي وحيث حلفناه ، فهي مستحبة على الأصح ، وقيل : واجبة ، ( وأما ) إذا اقتصر على دعوى الهلاك من غير تعرض لسبب فقال الرافعي : المفهوم من كلام الأصحاب قبوله بيمينه ، وهو كما قال الرافعي .



                                      ( الثامنة ) : إذا ادعى المالك إجحافا في الخرص ، فإن زعم أن الخارص تعمد ذلك لم يلتفت إليه بلا خلاف ، كما لو ادعى ميل الحاكم أو كذب الشاهد ولا يقبل إلا ببينة ، وإن ادعى أنه أخطأ وغلط فإن لم يبين القدر لم تسمع دعواه بلا خلاف ، صرح به الماوردي وآخرون ، وإن بينه وكان يحتمل الغلط في مثله كخمسة أوسق في مائة قبل قوله ، وحط عنه ما ادعاه ، فإن اتهمه حلفه ، وفي اليمين الوجهان السابقان . ( أصحهما ) : مستحبة ، هذا إذا كان المدعى فوق ما يقع بين الكيلين .



                                      ( أما ) إذا ادعى بعد الكيل غلطا يسيرا في الخرص بقدر ما يقع بين الكيلين كصاع من مائة ، فهل يحط ؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين عن حكاية العراقيين والصيدلاني ، قال : ( أصحهما ) : لا يقبل ; لأنا لم نتحقق للنقص لاحتمال أنه وقع في الكيل ، ولو كيل ثانيا لوفى .

                                      ( والثاني ) : يقبل ويحط عنه ; لأن الكيل تعيين ، والخرص تخمين ، فالإحالة عليه أولى ( قلت ) وهذا الثاني أقوى ، قال الإمام : وصورة المسألة أن يقول المخروص عليه : حصل النقص لزلل قليل في الخرص ، ويقول الخارص : بل لزلل في الكيل ; ويكون بعد فوات عين المخروص . أما إذا ادعى نقصا فاحشا لا يجوز أهل الخبرة وقوع مثله غلطا ، فلا يقبل قوله في حط جميعه بلا خلاف ، وهل يقبل في حط الممكن ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) : يقبل ، وبه قطع إمام الحرمين ، ونقله عن الأئمة قال : وهو كما لو ادعت معتدة بالأقراء انقضاءها قبل زمن الإمكان [ ص: 465 ] وكذبناها ، وأصرت على الدعوى حتى جاء زمن الإمكان فإنا نحكم بانقضائها لأول زمن الإمكان ، ولا يكون تكذيبها في غير المحتمل موجبا لتكذيبها في المحتمل والله تعالى أعلم .



                                      ( التاسعة ) : إذا خرص عليه فأقر المالك بأن التمر زاد على المخروص ; قال أصحابنا : أخذت الزكاة منه للزيادة ، سواء كان ضمن أم لا ; لأن عليه زكاة جميع الثمرة .



                                      ( العاشرة ) : إذا خرص عليه فتلف بعض المخروص ، تلفا يسقط الزكاة وأكل بعضه وبقي بعضه ولم يعرف الساعي ما تلف فإن عرف المالك ما أكل زكاه مع الباقي . وإن اتهمه الساعي حلفه استحبابا على الأصح ، ووجوبا على الوجه الآخر كما سبق ، وإن قال : لا أعرف قدر ما أكلته ولا ما تلف ، قال الدارمي قلنا له : إن ذكرت قدرا ألزمناك به ، فإن اتهمناك حلفناك ، وإن ذكرت مجملا أخذنا الزكاة بخرصنا .



                                      ( الحادية عشرة ) : إذا اختلف الساعي والمالك في جنس الثمر أو نوعه بعد تلفه تلفا مضمنا ، قال الماوردي والدارمي : القول قول المالك ، فإن أقام الساعي شاهدين أو شاهدا وامرأتين قضي له ، وإن أقام شاهدا فلا ; لأنه لا يحلف معه .



                                      ( الثانية عشرة ) : قال إمام الحرمين : إذا كان بين رجلين رطب مشترك على النخل ، فخرص أحدهما على الآخر وألزم ذمته له تمرا جافا . قال صاحب التقريب : يتصرف المخروص عليه في الجميع ، ويلتزم لصاحبه التمر إن قلنا الخرص تضمين كما يتصرف في نصيب المساكين بالخرص . وإن قلنا : الخرص عبرة ، فلا أثر له في حق الشركاء . قال الإمام : وهذا الذي ذكره بعيد في حق الشركاء ، وما يجري في حق المساكين لا يقاس به تصرف الشركاء في أملاكهم المحققة ، وإن ثبت ما قاله صاحب التقريب ، فمستنده خرص عبد الله بن رواحة رضي الله عنه على اليهود ، فإنه ألزمهم التمر وكان ذلك الإلزام في حق الملاك والغانمين ، قال الإمام : والذي لا بد منه من مذهب صاحب التقريب ، أن الخرص في حق المساكين يكفي فيه إلزام الخارص ، ولا يشترط [ ص: 466 ] رضا المخروص عليه ، وأما في حق الشركاء فلا بد من رضا الشركاء لا محالة .




                                      الخدمات العلمية