الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ( 5 ) )

يقول تعالى ذكره : ومنكم أيها الناس من يتوفى قبل أن يبلغ أشده فيموت ، ومنكم من ينسأ في أجله فيعمر حتى يهرم ، فيرد من بعد انتهاء شبابه وبلوغه غاية أشده ، إلى أرذل عمره ، وذلك الهرم ، حتى يعود كهيئته في حال صباه لا يعقل من بعد عقله الأول شيئا .

ومعنى الكلام : ومنكم من يرد إلى أرذل العمر بعد بلوغه أشده ( لكيلا يعلم من بعد علم ) كان يعلمه ( شيئا ) .

وقوله ( وترى الأرض هامدة ) يقول تعالى ذكره : وترى الأرض يا محمد يابسة دارسة الآثار من النبات والزرع ، وأصل الهمود : الدروس والدثور ، ويقال منه : همدت الأرض تهمد همودا ; ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس :


قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همدا



والهمد : جمع هامد ، كما الركع جمع راكع .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج في قوله ( وترى الأرض هامدة ) قال : لا نبات فيها . [ ص: 571 ] وقوله ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ) يقول تعالى ذكره : فإذا نحن أنزلنا على هذه الأرض الهامدة التي لا نبات فيها المطر من السماء اهتزت يقول : تحركت بالنبات ، ( وربت ) يقول : وأضعفت النبات بمجيء الغيث .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة ( اهتزت وربت ) قال : عرف الغيث في ربوها .

حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة ( اهتزت وربت ) قال : حسنت ، وعرف الغيث في ربوها .

وكان بعضهم يقول : معنى ذلك : فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ، ويوجه المعنى إلى الزرع ، وإن كان الكلام مخرجه على الخبر عن الأرض ، وقرأت قراء الأمصار ( وربت ) بمعنى الربو ، الذي هو النماء والزيادة .

وكان أبو جعفر القارئ يقرأ ذلك ( وربأت ) بالهمز .

حدثت عن الفراء عن أبي عبد الله التميمي عنه ، وذلك غلط ، لأنه لا وجه للرب هاهنا ، وإنما يقال : ربأ بالهمز بمعنى حرس من الربيئة ، ولا معنى للحراسة في هذا الموضع ، والصحيح من القراءة ما عليه قراء الأمصار .

وقوله ( وأنبتت من كل زوج بهيج ) يقول جل ثناؤه : وأنبتت هذه الأرض الهامدة بذلك الغيث من كل نوع بهيج ، يعني بالبهيج البهج ، وهو الحسن .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة ( وأنبتت من كل زوج بهيج ) قال : حسن .

حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة مثله . [ ص: 572 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية