الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر ما يدل على خصوص التنزيه، أتبعه ما يعرف بعموم الكمال، فقال ذاكرا لوقت كمال النهار وكمال الظلام، وتذكيرا بما يحدث عندهما للآدمي من النقص بالفتور والنوم اعتراضا بين الأوقات للاهتمام بضم التحميد إلى التسبيح: وله أي وحده [مع] النزاهة عن شوائب النقص الحمد أي الإحاطة بأوصاف الكمال.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما قدم سبحانه أن تنزهه ملأ الأزمان، وكان ذلك مستلزما [ ص: 61 ] لملء الأكوان، وكان إثبات الكمال أبين شرفا من التنزيه عن النقص، صرح فيه بالقبيلين فقال: في السماوات أي الأجرام العالية كلها التي تحريكها - مع أنها من الكبر في حد لا يحيط به إلا هو سبحانه - سبب للإمساء والإصباح وغيرهما من المنافع والأرض التي فيها من المنافع ما يجل عن إحاطتكم به مع أنها بالنسبة إلى السماء كحلقة ملقاة في فلاة، ولولا ذلك لظهر لكم ذلك برؤية ما وراءها [هو] شأن كل مظل مع كل مقل كما تشاهدون السحاب ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما خص الإمساء والإصباح، عم فقال معبرا بما يدل على الدوام، لأن وقت النوم الدال على النقص أولى بإثبات الكمال فيه: وعشيا أي من الزوال إلى الصباح وحين تظهرون أي تدخلون في شدة الحر، وسبحانه الله في ذلك كله، فالآية من الاحتباك: ذكر التسبيح أولا دليلا على إرادته ثانيا، والحمد ثانيا دليلا على إرادته أولا، ولعل المراد بالإظهار هنا ما هو أعم من وقت الظهر ليكون المراد به من حين يزول اسم الصباح من وقت ارتفاع الشمس إلى أن يحدث اسم المساء، وهو من الظهر إلى الغروب - قاله ابن طريف [ ص: 62 ] في كتابه الأفعال ونقله عن الإمام عبد الحق في كتابه الواعي، وذلك حين استبداد النهار فيكون كماله فيما دون ذلك من باب الأولى، وهذا مع هذه الدقائق إشارة إلى الصلوات الخمس، أي سبحوه بالخضوع له بالصلاة في وقت المساء بصلاة العصر والمغرب، وفي وقت الصباح بالصبح، وفي العشي بالعشاء، وفي الإظهار بالظهر، وفي هذا التخريج من الحسن بيان الاهتمام بالصلاة الوسطى، فابتدأ سبحانه بالعصر التي قولها أصح الأقوال، ودخول المغرب في حيزها بطريق التبعية والقصد الثاني، وثنى بالصبح وهي تليها في الأصحية وهما القريبتان، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى البردين دخل الجنة" - رواه الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه، "من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وجبت له الجنة" - أسنده صاحب الفردوس عن عمارة بن روبية رضي الله عنه ورواه مسلم وغيره عنه بلفظ: "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" - يعني الفجر والعصر "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال:" إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا لا تفوتنكم "، ثم قرأ وسبح بحمد ربك [ ص: 63 ] قبل طلوع الشمس وقبل الغروب رواه البخاري عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح" يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر "يدخل هنا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية