الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان أعجب من ذلك أن هذا الذي خلقه التراب ذكرا خلق منه أنثى، وجعلهما شبهي السماء والأرض ماء ونبتا وطهارة وفضلا، قال: ومن آياته أي على ذلك; ولما كان إيجاد الأنثى من الذكر خاصة لم يكن إلا مرة واحدة كالخلق من التراب، عبر بالماضي فقال: أن خلق لكم أي لأجلكم ليبقى نوعكم بالتوالد، وفي تقديم الجار دلالة على حرمة التزوج من غير النوع، والتعبير بالنفس أظهر في كونها من بدن الرجل في قوله: من أنفسكم أي جنسكم بعد إيجادها من [ ص: 67 ] ذات أبيكم آدم عليه السلام أزواجا إناثا هن شفع لكم لتسكنوا مائلين إليها بالشهوة والألفة، من قولهم: سكن إليه - إذا مال وانقطع واطمأن إليه، ولم يجعلها من غير جنسكم لئلا تنفروا منها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المقصود بالسكن لا ينتظم إلا بدوام الألفة قال: وجعل أي صير بسبب الخلق على هذه الصفة بينكم مودة أي معنى من المعاني يوجب أن لا يحب واحد من الزوجين أن يصل إلى صاحبه شيء يكرهه مع ما طبع عليه الإنسان من محبة الأذى، وإنما كان هذا معناه لأن مادة "ودد" مستويا ومقلوبا تدور على الاتساع والخلو من الدو والدوية بتشديد الواو وهي الفلاة، والود والوداد [قال في القاموس: الحب]، وقال أبو عبد الله القزاز ونقله عنه الإمام عبد الحق في واعيه: الأمنية، تقول وددت أن ذاك كان، وذاك لاتساع مذاهب الأماني، وتشعب أودية الحب، [وفي القاموس]: ودان: قرية قرب الأبواء وجبل طويل قرب فيد، والمودة: الكتاب - لاتساع الكلام فيه. وقال الإمام أبو الحسن الحرالي في شرح الأسماء الحسنى: الود خلو [عن] إرادة المكروه، فإذا حصل إرادة الخير وإيثاره [ ص: 68 ] كان حبا، من لم يرد سواه فقد ود ومن أراد خيرا فقد أحب، والود أول التخلص من داء أثر الدنيا بما يتولد لطلابها من الازدحام عليها من الغل والشحناء، وذلك ظهور لما يتهيأ له من طيب الحب، فمن ود لا يقاطع، ومن أحب واصل وآثر، والودود هو المبرأ من جميع جهات مداخل السوء ظاهره وباطنه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا المعنى الحسن لا يتم إلا بإرادة الخير قال: ورحمة أي [معنى] يحمل كلا على أن يجتهد للآخر في جلب الخير، ودفع الضير، لكن [لما] كانت إرادة الخير قد تكون بالمن ببعض ما يكره جمع بين الوصفين، وهما من الله، والفرك - وهو البغض - من الشيطان.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ذلك من العظمة بمكان يجل عن الوصف، أشار إليه بقوله مؤكدا لمعاملتهم له بالإعراض عما يهدي إليه معاملة من يدعي أنه جعل سدى من غير حكمة، مقدما الجار إشارة إلى أن دلالته في العظم بحيث تتلاشى عندها كل آية، وكذا غيره مما كان هكذا على نحو

                                                                                                                                                                                                                                      وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها إن في ذلك أي الذي تقدم من خلق الأزواج على الحال المذكور وما يتبعه من المنافع لآيات أي دلالات واضحات على قدرة فاعله وحكمته.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 69 ] ولما كان هذا المعنى [مع كونه] دقيقا [يدرك بالتأمل] قال: لقوم أي رجال أو في حكمهم، لهم قوة وجد ونشاط في القيام بما يجعل إليهم يتفكرون أي يستعملون أفكارهم على القوانين المحررة ويجتهدون في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية