الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به

                                                                                                          18 حدثنا هناد حدثنا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وجابر وابن عمر قال أبو عيسى وقد روى هذا الحديث إسمعيل بن إبراهيم وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن الحديث بطوله فقال الشعبي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن وكأن رواية إسمعيل أصح من رواية حفص بن غياث والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم وفي الباب عن جابر وابن عمر رضي الله عنهما [ ص: 74 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 74 ] ( باب كراهية ما يستنجى به ) أي في بيان الأشياء التي يكره الاستنجاء بها ، وقد تقدم في المقدمة مبسوطا أن إطلاق لفظ الكراهية جاء في كلام الله ورسوله بمعنى التحريم ، والسلف كانوا يستعملون هذا اللفظ في معناه الذي استعمل فيه كلام الله ورسوله ، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص لفظ الكراهية بما ليس بمحرم ، وتركه أرجح من فعله ، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك .

                                                                                                          قوله : ( نا حفص بن غياث ) بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة ابن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي القاضي ثقة فقيه تغير حفظه قليلا في الآخر ، من الثامنة أي من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين ، كذا في التقريب ، وقال في مقدمة فتح الباري : أجمعوا على توثيقه والاحتجاج به إلا أنه ساء حفظه في الآخر فمن سمع من كتابه أصح ممن سمع من حفظه ، روى له الجماعة ( عن داود بن أبي هند ) القشيري مولاهم ، ثقة متقن إلا أنه يهم بأخرة ، روى عن ابن المسيب وأبي العالية والشعبي وخلق ، وعنه يحيى بن سعيد قرينه وقتادة كذلك وشعبة والثوري وخلق ، وثقه أحمد والعجلي وأبو حاتم والنسائي مات سنة 139 تسع وثلاثين ومائة . كذا في التقريب والخلاصة .

                                                                                                          ( عن الشعبي ) هو عامر بن شراحيل الشعبي : بفتح الشين : أبو عمرو ثقة مشهور فقيه فاضل من الطبقة الوسطى من التابعين ، قال مكحول : ما رأيت أفقه منه وكذلك قال أبو مجلز ، قال الشعبي أدركت خمسمائة من الصحابة ، قال ابن عيينة كانت الناس تقول ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه ، توفي سنة ثلاث ومائة ، كذا في التقريب والخلاصة .

                                                                                                          ( عن علقمة ) ابن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي . ثقة ثبت فقيه عابد من كبار التابعين ، عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وطائفة ، وعنه إبراهيم النخعي والشعبي وخلق ، قال ابن المديني أعلم الناس بابن مسعود علقمة والأسود ، قال ابن سعد مات سنة 62 اثنتين وستين ، كذا في التقريب والخلاصة .

                                                                                                          قوله : ( لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام ) جمع عظم ، وتقدم معنى الروث في الباب المتقدم .

                                                                                                          ( فإنه زاد إخوانكم من الجن ) قال الطيبي : الضمير في فإنه راجع إلى الروث والعظام باعتبار المذكور ، كما ورد في شرح السنة وجامع الأصول وفي بعض نسخ المصابيح ، وفي بعضها وجامع [ ص: 75 ] الترمذي فإنها ، فالضمير راجع إلى العظام والروث تابع لها ، وعليه قوله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وقال ابن حجر وإنما سكت عن الروث لأن كونه زادا لهم إنما هو مجاز لما تقرر أنه لدوابهم ، انتهى . كذا في المرقاة ، وفي رواية مسلم في قصة ليلة الجن وسألوه عن الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة لدوابكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام الجن ، وحديث الباب يدل على أنه لا يجوز الاستنجاء بالروث والعظم ، والعلة أنهما من طعام الجن العظام لهم والروث لدوابهم ، وروى الدارقطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم ، وقال : إنهما لا يطهران ، قال الدارقطني بعد روايته إسناده صحيح ، وهذا الحديث يدل على أن العلة أنهما لا يطهران ، قال في سبل السلام : علل في رواية الدارقطني بأنهما لا يطهران ، وعلل بأنهما من طعام الجن ، وعللت الروثة بأنها ركس والتعليل بعدم التطهير فيها عائد إلى كونها ركسا ، وأما عدم تطهير العظم فإنه لزج لا يتماسك فلا ينشف النجاسة ولا يقطع البلة ، قال ولا تنافي بين هذه الروايات فقد يعلل الأمر الواحد بعلل كثيرة .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وعلي وابن عمر ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري في كتاب الطهارة ، وفي باب ذكر الجن ، وأما حديث سلمان فأخرجه الجماعة إلا البخاري ، كذا في نصب الراية ، وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عن أبي الزبير عنه بلفظ : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر . وحديث ابن مسعود المذكور في الباب أخرجه أيضا النسائي إلا أنه لم يذكر زاد إخوانكم من الجن ، كذا في المشكاة .

                                                                                                          قوله : ( وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم ) ابن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية ، ثقة حافظ من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين ، روى عن أيوب وعبد العزيز بن رفيع وروح بن القاسم وخلق ، وعنه أحمد وابن راهويه وعلي بن حجر وخلق كثير ، قال شعبة : ابن علية ريحانة الفقهاء ، قال أحمد : إليه المنتهى في التثبت ، وقال ابن معين كان ثقة مأمونا ورعا تقيا .

                                                                                                          ( الحديث بطوله ) بالنصب أي أتم الحديث بطوله ، وأخرج الترمذي هذا الحديث بطوله في تفسير سورة الأحقاف ومسلم في كتاب الصلاة في باب الجهر بالقراءة في الصبح [ ص: 76 ] والقراءة على الجن ، قال الترمذي في التفسير : حدثنا علي بن حجر نا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن علقمة قال : قلت لابن مسعود هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد قال ما صحبه منا أحد ولكن افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة : اغتيل استطير ما فعل به فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، حتى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قبل حراء ، قال فذكروا الذي كانوا فيه قال : فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم ، قال فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، قال الشعبي سألوه الزاد وكانوا من الجزيرة ، فقال كل عظم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجن هذا حديث حسن صحيح ( وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث ) والفرق بين روايتهما أن رواية إسماعيل مقطوعة ورواية حفص بن غياث مسندة ، ووجه كون رواية إسماعيل أصح أن حفصا خالف أصحاب داود بن أبي هند فروى هذه الرواية مسندة وهم رووها من قول الشعبي ، قال النووي في شرح مسلم : قال الدارقطني . انتهى حديث ابن مسعود عند قوله فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، وما بعده من كلام الشعبي كذا رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم ، هكذا قال الدارقطني وغيره ، ومعنى قوله إنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن ابن مسعود بهذا الحديث ، وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى .

                                                                                                          قوله ( وفي الباب عن جابر وابن عمر ) كذا في النسخ الموجودة عندنا وهو تكرار .




                                                                                                          الخدمات العلمية