الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه ) .

      التالي السابق


      ش وقوله : ( فلا ينفون عنه . . إلخ ) تفريع على ما قبله ؛ فإنهم إذا كانوا يؤمنون بالله على هذا الوجه ؛ فلا ينفون ولا يحرفون ، ولا يكيفون ولا يمثلون .

      والمواضع : جمع موضع ، والمراد بها المعاني التي يجب تنزيل الكلام عليها ؛ لأنها هي المتبادرة منه عند الإطلاق ، فهم لا يعدلون به عنها .



      وأما قوله : ( ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ) فقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله : ( والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها ؛ مأخوذ من الميل ؛ كما يدل عليه مادة ( ل ح د ) ، فمنه اللحد ، وهو الشق في جانب القبر ، الذي قد مال عن الوسط ، ومنه الملحد في الدين : المائل عن الحق ، المدخل فيه ما ليس منه ) . اهـ

      فالإلحاد فيها إما أن يكون بجحدها وإنكارها بالكلية ، وإما بجحد معانيها وتعطيلها ، وإما بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق [ ص: 103 ] بالتأويلات الفاسدة ، وإما بجعلها أسماء لبعض المبتدعات ، كإلحاد أهل الاتحاد .

      وخلاصة ما تقدم : أن السلف رضي الله عنهم يؤمنون بكل ما أخبر الله به عن نفسه في كتابه ، وبكل ما أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم إيمانا سالما من التحريف والتعطيل ، ومن التكييف والتمثيل ، ويجعلون الكلام في ذات الباري وصفاته بابا واحدا ؛ فإن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات ، يحتذى فيه حذوه ، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف ؛ فكذلك إثبات الصفات .

      وقد يعبرون عن ذلك بقولهم : ( تمر كما جاءت بلا تأويل ) ، ومن لم يفهم كلامهم ظن أن غرضهم بهذه العبارة هو قراءة اللفظ دون التعرض للمعنى ، وهو باطل ، فإن المراد بالتأويل المنفي هنا هو حقيقة المعنى وكنهه وكيفيته .

      قال الإمام أحمد رحمه الله : ( لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، ولا يتجاوز القرآن والحديث ) .

      [ ص: 104 ] وقال نعيم بن حماد ( شيخ البخاري ) : ( من شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه ولا تمثيل ) .




      الخدمات العلمية