الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 36 ) مسألة قال : ( إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرة مائعة فإنه ينجس ، إلا أن يكون مثل المصانع التي بطريقمكة ، وما أشبهها من المياه الكثيرة التي لا يمكن نزحها ، فذاك الذي لا ينجسه شيء ) يعني بالمصانع : البرك التي صنعت موردا للحاج ، يشربون منها ، يجتمع فيها ماء كثير ويفضل عنهم ، فتلك لا تتنجس بشيء من النجاسات ما لم تتغير ، لا نعلم أحدا خالف في هذا .

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الماء الكثير ، مثل الرجل من البحر ونحوه ، إذا وقعت فيه نجاسة ، فلم تغير له لونا ولا طعما ولا ريحا ، أنه بحاله يتطهر منه ، فأما ما يمكن نزحه إذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من النجاسات ، إلا ببول الآدميين ، أو عذرتهم المائعة ; فإن فيه روايتين عن أحمد ، أشهرهما : أنه يتنجس بذلك .

                                                                                                                                            روي نحو هذا عن علي ، والحسن البصري . قال الخلال : وحدثنا عن علي بإسناد صحيح ، أنه سئل عن صبي بال في بئر ، فأمرهم أن ينزفوها ، ومثل ذلك عن الحسن البصري . ووجه ذلك : ما روى أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ، ثم يغتسل منه } متفق عليه . وفي لفظ : " ثم يتوضأ منه " . صحيح . وللبخاري : { ثم يغتسل فيه . }

                                                                                                                                            وهذا متناول للقليل والكثير ، وهو خاص في البول ، وأصح من حديث القلتين فيتعين تقديمه . والرواية الثانية ، أنه لا يتنجس ما لم يتغير ، كسائر النجاسات ، اختارها أبو الخطاب ، وابن عقيل ، وهذا مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم لا يفرقون بين البول وغيره من النجاسات ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس } .

                                                                                                                                            ولأن بول الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب ، وهو لا ينجس القلتين ، فبول الآدمي أولى ، وحديث أبي هريرة لا بد من تخصيصه ، بدليل ما لا يمكن نزحه ، فيقاس عليه ما بلغ القلتين ، أو يخص بخبر القلتين ، فإن تخصيصه بخبر النبي صلى الله عليه وسلم أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم من غير دليل ; ولأنه لو تساوى الحديثان لوجب العدول إلى القياس على سائر النجاسات .

                                                                                                                                            [ ص: 40 ] فصل : ولم أجد عن إمامنا ، رحمه الله ، ولا عن أصحابنا ، تحديد ما يمكن نزحه ، بأكثر من تشبيهه بمصانع مكة . قال أحمد : إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الراكد من آبار المدينة على قلة ما فيها ; لأن المصانع لم تكن ، إنما أحدثت . وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المصانع التي بطريق مكة ؟ فقال : ليس ينجس تلك عندي بول ولا شيء إذا كثر الماء ، حتى يكون مثل تلك المصانع .

                                                                                                                                            وقال إسحاق بن منصور : سئل أحمد عن بئر بال فيها إنسان " قال تنزح حتى تغلبهم . قلت : ما حده ؟ قال : لا يقدرون على نزحها . وقيل لأبي عبد الله : الغدير يبال فيه ؟ قال : الغدير أسهل . ولم ير به بأسا ، وقال في البئر ، يكون لها مادة : هو واقف لا يجري ليس بمنزلة ما يجري .

                                                                                                                                            يعني أنه يتنجس بالبول فيه إذا أمكن نزحه .

                                                                                                                                            ( 38 ) فصل : ولا فرق بين البول القليل والكثير قال مهنا : سألت أحمد عن بئر غزيرة وقعت فيها خرقة أصابها بول ؟ قال : تنزح . وقال في قطرة بول وقعت في ماء : لا يتوضأ منه وذلك لأن سائر النجاسات لا فرق بين قليلها وكثيرها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية