الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 363 ] 339 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

في جهاد ذوي الأبوين العدو أهو أفضل له أو

لزوم أبويه وتركه جهاد العدو ؟

2118 - حدثنا علي بن معبد وأبو أمية قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة الأسدي ، قال : حدثنا الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الله بن باباه ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : إني أريد الجهاد ، فقال : أحي أبواك ؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد .

2119 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعر ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي العباس ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 364 ]

2120 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو داود ويعقوب بن إسحاق ووهب بن جرير قالوا : حدثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي العباس - وكان شاعرا ، وكان مرضيا ، كذا قال وهب في غير هذا الحديث مما حدثناه عنه إبراهيم بن مرزوق ، ثم رجعنا إلى حديثه ، عن أبي داود ويعقوب ووهب ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

2121 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا الفريابي ، [ ص: 365 ] عن سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ثم ذكر بإسناده مثله .

قال أبو جعفر : والناس مختلفون في أبي العباس الشاعر صاحب هذا الحديث ، فقوم يقولون : إنه عبد الله بن باباه وقوم يقولون : إنه السائب بن فروخ ، وممن كان يقول : إنه عبد الله بن باباه أحمد بن صالح ، وما في هذه الآثار يدل على ما قال ؛ لأن مسعرا وشعبة رويا حديثه الذي في هذا الباب عن حبيب بن أبي ثابت عنه ، وكنياه بأبي العباس ورواه الأعمش عن حبيب عنه ، وذكر أنه عبد الله بن باباه ، فدل ذلك أنه عبد الله بن باباه ، [ ص: 366 ] فقال قوم : وكيف يكون رجل في سعة من ترك الجهاد مع الإقبال على أبويه وقد قال الله عز وجل : إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ، ولا يكون هذا الوعيد إلا في مفروض وقد وجدنا الحجة المفروضة لا يقطع عنها لزوم الأبوين من وجد السبيل إليها ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الذي تلاه علينا من الوعيد في الجهاد هو على مفروض كما ذكر ، غير أنه فرض عام يقوم به الخاص ، عن من سواه من أهله كغسل موتانا وكصلاتنا عليهم وكمواراتنا إياهم في قبورهم ، كل ذلك فرض علينا ، ومن قام به منا سقط به الفرض عن بقيتنا ولو تركناه جميعا لكنا من أهل الوعيد الذي تلا علينا

وكان فرض الحج من الفرض العام الذي لا يقوم به بعض الناس عن بعض ، فكان الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي جاءه يسأله عن الجهاد الذي يقوم به غيره عنه أمره إياه بلزوم أبويه الذي لا يقوم به غيره عنه ؛ لأنه إذا فعل ذلك سقط الفرضان جميعا عنه ، لأن أحدهما سقط بفعله إياه عنه وسقط الآخر عنه بفعل غيره إياه من المسلمين عنه ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يسقط به عنه فرضان وترك ما إذا فعله سقط عنه فرض واحد ، وكذلك أمر غيره صلى الله عليه وسلم مما يدخل في هذا المعنى .

2122 - كما قد حدثنا عمران بن موسى الطائي ، قال : حدثني [ ص: 367 ] سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : جئت أبايعك وتركت أبوي يبكيان . قال : ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما .

2123 - وكما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا علي بن قادم ، قال : حدثنا مسعر ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد : وأبى أن يبايعه .

2124 - وكما حدثنا عمران بن موسى ، قال : حدثنا أبو سلمة [ ص: 368 ] موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أبايعك حتى ترجع إليهما فتضحكهما كما أبكيتهما .

قال أبو جعفر : وفي هذا شد لما قد رويناه قبله .

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ما قد أخبر فيه أن بر الوالدين أفضل من الجهاد .

2125 - وهو ما قد حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، عن شعبة ، عن الوليد بن العيزار ، قال : سمعت أبا عمرو الشيباني يقول سمعت صاحب هذه الدار يعني ابن مسعود يقول : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : الصلاة لوقتها ، فقلت : ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين ، ثم قلت : ثم أي ، قال [ ص: 369 ] الجهاد في سبيل الله عز وجل ، ولو استزدته لزادني .

2126 - وما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ، قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

2127 - وما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو معاوية عمرو بن عبد الله النخعي ، قال : حدثني أبو عمرو الشيباني ، قال :

[ ص: 370 ] حدثني صاحب هذه الدار - يعني عبد الله بن مسعود - قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة على ميقاتها ، قلت : ثم ماذا يا رسول الله ؟ قال : بر الوالدين ، قلت ثم ماذا يا رسول الله ؟ قال : أن يسلم الناس من لسانك ، وسكت ولو استزدته لزادني .

قال أبو جعفر : أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قد أخبر أن بر الوالدين أفضل من الجهاد ، فذلك أيضا يؤكد ما قد روينا في الآثار الأول ، ويؤيد ما حملناها عليه على الوجوه التي حملناها عليها ، والله أعلم بمرادات رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، غير أنها قد خرجت على موافقة بعضها بعضا ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية