الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            هذا هو النوع الخامس من الطاعات المذكورة في هذه الآيات وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في تقرير النظم وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الأول : أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أنه هو المتكفل بأرزاق العباد حيث قال : ( إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أتبعه بقوله : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني : أنه تعالى لما علم كيفية البر بالوالدين في الآية المتقدمة علم في هذه الآية كيفية البر بالأولاد ، ولهذا قال بعضهم : إن الذين يسمون بالأبرار إنما سموا بذلك لأنهم بروا الآباء والأبناء وإنما وجب بر الآباء مكافأة على ما صدر منهما من أنواع البر بالأولاد . وإنما وجب البر بالأولاد لأنهم في غاية الضعف ولا كافل لهم غير الوالدين .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثالث : أن امتناع الأولاد من البر بالآباء يوجب خراب العالم ، لأن الآباء إذا علموا ذلك قلت رغبتهم في تربية الأولاد ، فيلزم خراب العالم من الوجه الذي قررناه ، فثبت أن عمارة العالم إنما تحصل إذا حصلت المبرة بين الآباء والأولاد من الجانبين .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الرابع : أن قتل الأولاد إن كان لخوف الفقر فهو سوء ظن بالله ، وإن كان لأجل الغيرة على البنات فهو سعي في تخريب العالم ، فالأول ضد التعظيم لأمر الله تعالى ، والثاني ضد الشفقة على خلق الله تعالى وكلاهما مذموم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الخامس : أن قرابة الأولاد قرابة الجزئية والبعضية ، وهي من أعظم الموجبات للمحبة . فلو لم تحصل المحبة دل ذلك على غلظ شديد في الروح ، وقسوة في القلب ، وذلك من أعظم الأخلاق الذميمة ، فرغب الله في الإحسان إلى الأولاد إزالة لهذه الخصلة الذميمة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : العرب كانوا يقتلون البنات لعجز البنات عن الكسب ، وقدرة البنين عليه بسبب إقدامهم على النهب والغارة ، وأيضا كانوا يخافون أن فقرها ينفر كفؤها عن الرغبة فيها فيحتاجون إلى إنكاحها من غير الأكفاء ، وفي ذلك عار شديد فقال تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم ) وهذا لفظ عام للذكور والإناث ، والمعنى : أن الموجب للرحمة والشفقة هو كونه ولدا ، وهذا المعنى وصف مشترك بين الذكور وبين الإناث . وأما ما يخاف من الفقر من البنات فقد يخاف مثله في الذكور في حال الصغر ، وقد يخاف أيضا في العاجزين من البنين .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( نحن نرزقهم وإياكم ) يعني : أن الأرزاق بيد الله تعالى فكما أنه تعالى فتح أبواب الرزق على الرجال ، فكذلك يفتح أبواب الرزق على النساء .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : الجمهور قرءوا ( إن قتلهم كان خطئا كبيرا ) أي : إثما كبيرا يقال خطئ يخطأ خطئا مثل [ ص: 158 ] يأثم إثما ; قال تعالى : ( إنا كنا خاطئين ) [ يوسف : 97 ] أي : آثمين ، وقرأ ابن عامر ( خطأ ) بالفتح يقال : أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ إذا أتى بما لا ينبغي من غير قصد ، ويكون الخطأ اسما للمصدر ، والمعنى على هذه القراءة أن قتلهم ليس بصواب . قال القفال رحمه الله : وقرأ ابن كثير : " خطاء " بكسر الخاء ممدودة ولعلهما لغتان مثل دفع ودفاع ولبس ولباس .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية