الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ زحف ]

                                                          زحف : زحف إليه يزحف زحفا وزحوفا وزحفافا : مشى . ويقال : زحف الدبى إذا مضى قدما . والزحف : الجماعة يزحفون إلى العدو بمرة . وفي الحديث : اللهم اغفر له وإن كان فر من الزحف أي فر من الجهاد ولقاء العدو في الحرب . وفي التنزيل : ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا والجمع زحوف ، كسروا اسم الجمع كما قد يكسرون الجمع ، ويستعمل في الجراد ؛ قال :


                                                          قد خفت أن يحدرنا للمصرين زحف من الخيفان بعد الزحفين



                                                          أراد بعد زحفين ، لكنه كره الزحاف فأدخل الألف واللام لإكمال الجزء . قال الزجاج : يقال أزحفت القوم إذا ثبت لهم ، قال : فمعنى قوله : إذا لقيتم الذين كفروا زحفا أي إذا لقيتموهم زاحفين ، وهو أن يزحفوا إليهم قليلا قليلا ، فلا تولوهم الأدبار قال الأزهري : وأصل الزحف للصبي وهو أن يزحف على استه قبل أن يقوم ، وإذا فعل ذلك على بطنه قيل قد حبا ، وشبه بزحف الصبيان مشي الفئتين تلتقيان للقتال ، فيمشي كل فيه مشيا رويدا إلى الفئة الأخرى قبل التداني للضراب ، وهي مزاحف أهل الحرب ، وربما استجنت الرجالة بجننها وتزاحفت من قعود إلى أن يعرض لها الضراب أو الطعان . ويقال : أزحف لنا عدونا إزحافا أي صاروا يزحفون إلينا زحفا ليقاتلونا ؛ وقال العجاج يصف الثور والكلاب :


                                                          وانشمن في غباره وخذرفا     معا وشتى في الغبار كالسفا
                                                          مثلين ، ثم أزحفت وأزحفا

                                                          أي أسرع ، وأصله من خذرف الصبي . وازدحف القوم ازدحافا إذا مشى بعضهم إلى بعض . وزحف القوم إلى القوم : دلفوا إليهم . والزحف : المشي قليلا قليلا ، والصبي يتزحف على الأرض ، وفي التهذيب على بطنه : ينسحب قبل أن يمشي . ومزاحف الحيات : آثار انسيابها ومواضع مدبها ؛ قال المتنخل الهذلي :


                                                          شربت بجمه وصدرت عنه     وأبيض صارم ذكر إباطي
                                                          كأن مزاحف الحيات فيه     قبيل الصبح آثار السياط



                                                          وهذا البيت ذكره الجوهري :


                                                          كأن مزاحف الحيات فيها

                                                          والصواب فيه كما ذكرناه . ومن الحيات الزحاف ، وهو الذي يمشي على أثنائه كما تمشي الأفعى . ومزاحف السحاب : حيث وقع قطره وزحف إليه ؛ قال أبو وجزة :


                                                          أخلى بلينة والرنقاء مرتعه     يقرو مزاحف جون ساقط الربب



                                                          أراد ساقط الرباب فقصره وقال الربب . والقوم يتزاحفون ويزدحفون إذا تدانوا في الحرب . ابن سيده : ونار الزحفتين نار العرفج ، وذلك أنها سريعة الأخذ فيه لأنه ضرام ، فإذا التهبت زحف عنها مصطلوها أخرا ثم لا تلبث أن تخبو فيزحفون إليها راجعين . قال الجوهري : ونار الزحفتين نار الشيح والألاء لأنه يسرع الاشتعال فيهما فيزحف عنها . قال ابن بري : المعروف أنه نار العرفج ولذلك يدعى أبا سريع لسرعة النار فيه ، وتسمى ناره نار الزحفتين لأنه يسرع الالتهاب فيزحف عنه ثم لا يلبث أن يخبو فيزحف إليه ؛ وأنشد أبوالعميثل :


                                                          وسوداء المعاصم ، لم يغادر     لها كفلا صلاء الزحفتين



                                                          وقيل لامرأة من العرب : ما لنا نراكن رسحا ؟ فقالت : أرسحتنا نار الزحفتين . وزحف في المشي يزحف زحفا وزحفانا : أعيا . قال أبو زيد : زحف المعيي يزحف زحفا وزحوفا ، وزحف البعير يزحف زحفا وزحوفا وزحفانا وأزحف : أعيا فجر فرسنه ، وفي التهذيب : أعيا فقام على صاحبه ، فهو مزحف ؛ قال ابن بري : شاهده قول بشر بن أبي خازم قال :


                                                          فإلى ابن أم أناس : أرحل ناقتي     عمرو فتبلغ حاجتي أو تزحف

                                                          وبعير زاحف من إبل زواحف ، الواحدة زاحفة ؛ قال الفرزدق :


                                                          مستقبلين شمال الشام تضربنا     بحاصب كنديف القطن منثور
                                                          على عمائمنا تلقى ، وأرحلنا     على زواحف ، نزجيها محاسير



                                                          [ ص: 20 ] وناقة زحوف من إبل زحف ، ومزحاف من إبل مزاحيف ومزاحف ، وإذا كان ذلك من عادته فهو مزحاف ؛ قال أبو زبيد وذكر حفر قبر عثمان ، رضي الله عنه ، وكانوا قد حفروا له في الحرة فشبه المساحي التي تضرب بها الأرض بطير عائفة على إبل سود معايا قد اسودت من العرق بها دبر وشبه سواد الحرة بالإبل السود :


                                                          حتى كأن مساحي القوم ، فوقهم     طير تحوم على جون مزاحيف



                                                          قال ابن سيده : شبه المساحي التي حفروا بها القبر بطير تقع على إبل مزاحيف وتطير عنها بارتفاع المساحي وانخفاضها ؛ قال ابن بري الذي في شعره :


                                                          كأنهن ، بأيدي القوم في كبد     طير تعيف على جون مزاحيف



                                                          وقد أزحفها طول السفر : أكلها فأعياها ، يزدحفون في معنى يتزاحفون ، وكذلك يتزحفون . وزحفت في المشي أزحفت إذا أعييت . وأزحف الرجل : أعيت دابته وإبله ، وكل معي لا حراك به زاحف ومزحف ، مهزولا كان أو سمينا . وفي الحديث : أن راحلته أزحفت أي أعيت ووقفت ؛ وقال الخطابي : صوابه أزحفت عليه ، غير مسمى الفاعل ، يقال : زحف البعير إذا قام من الإعياء ، وأزحفه السفر . وزحف الرجل إذا انسحب على استه ؛ ومنه الحديث : يزحفون على أستاههم ؛ وأما قول الشاعر يصف سحابا :


                                                          إذا حركته الريح كي تستخفه     تزاجر ملحاح إلى الأرض مزحف



                                                          فإنه جعله بمنزلة المعيي من الإبل لبطء حركته ، وذلك لما احتمله من كثرة الماء . أبو سعيد الضرير : الزاحف والزاحك المعيي ، يقال للذكر والأنثى ، والجمع الزواحف والزواحك . وأزحف الرجل إزحافا : بلغ غاية ما يريد ويطلب . والزحوف من النوق : التي تجر رجليها إذا مشت ، ومزحاف . والزاحف : السهم يقع دون الغرض ثم يزحف إليه ؛ وتزحف إليه أي تمشى . والزحاف في الشعر : معروف ، سمي بذلك لثقله تخص به الأسباب دون الأوتاد إلا القطع فإنه يكون في أوتاد الأعاريض والضروب ، وهو سقط ما بين الحرفين حرف فزحف أحدهما إلى الآخر . وقد سمت زحافا ومزاحفا وزاحفا ؛ وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          سأجزيك خذلانا بتقطيعي الصوى     إليك ، وخفا زاحف تقطر الدما



                                                          فسره فقال : زاحف اسم بعير . وقال ثعلب : هو نعت لجمل زاحف أي معي ، وليس باسم علم لجمل ما .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية