الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إذ أي مكر حين قال الله أي بما له من التفرد بصفات الكمال يا عيسى إني متوفيك وعبر عن ذلك بطريق الكناية الإيمائية فإن عصمته من قتل الكفار ملزومة للموت حتف الأنف، وأما قول الزمخشري : أي مستوفي أجلك ومعناه: إني عاصمك من أن يقتلك الكفار، ومؤخرك إلى أجل كتبته لك، ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم - ليكون كناية تلويحية عن العصمة من القتل لأنها ملزومة لتأخيره إلى الأجل المكتوب والتأخير ملزوم للموت حتف الأنف - فلا ينبغي الاغترار به لأنه مبني على مذهب الاعتزال من أن القاتل [ ص: 421 ] قطع أجل المقتول المكتوب، وكأن القاضي البيضاوي لم يتفطن له فترجم هذه العبارة بما يؤديها; ويجوز أن يكون معنى متوفيك: آخذك إلي من غير أن يصلوا منك إلى محجم دم ولا ما فوقه من عضو ولا نفس فلا تخش مكرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال في القاموس: أوفى فلانا حقه: أعطاه وافيا، كوفاه ووافاه فاستوفاه وتوفاه.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم زاد سبحانه وتعالى في بشارته بالرفعة إلى محل كرامته وموطن ملائكته ومعدن النزاهة عن الأدناس فقال: ورافعك وزاد إعظام ذلك بقوله: إلي ومطهرك من الذين كفروا

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان لذوي الهمم العوالي، أشد التفات إلى ما يكون عليه خلائفهم بعدهم من الأحوال، بشره سبحانه وتعالى في ذلك بما يسره فقال: وجاعل الذين اتبعوك أي ولو بالاسم فوق الذين كفروا أي ستروا ما يعرفون من نبوتك بما رأوا من الآيات التي أتيت بها مطابقة لما عندهم من البشائر بك إلى يوم القيامة وكذا [ ص: 422 ] كان، لم يزل من اتسم بالنصرانية حقا أو باطلا فوق اليهود، ولا يزالون كذلك إلى أن يعدموا فلا يبقى منهم أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان البعث عاما دل عليه بالالتفات إلى الخطاب فقال تكميلا لما بشر به من النصرة: ثم إلي مرجعكم أي المؤمن والكافر في الآخرة فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية