الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (72) قوله تعالى : وجه النهار : منصوب على الظرف لأنه بمعنى أول النهار ، قال الربيع بن زياد العبسي :


                                                                                                                                                                                                                                      1331 - من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار



                                                                                                                                                                                                                                      أي بأوله . وفي ناصب هذا الظرف وجهان ، أحدهما : - وهو الظاهر - أنه فعل الأمر من قوله : " آمنوا " أي : أوقعوا إيمانكم في أول النهار ، وأوقعوا [ ص: 249 ] كفركم في آخره . الثاني : أنه " أنزل " أي : آمنوا بالمنزل في أول النهار ، وليس ذلك بظاهر بدليل المقابلة في قوله : واكفروا آخره فإن الضمير يعود على النهار ، ومن جوز الوجه الثاني جعل الضمير يعود على الذي أنزل ، أي : واكفروا آخر المنزل ، وأسباب النزول تخالف هذا التأويل .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا البيت الذي أنشدته فائدة رأيت ذكرها ، وذلك أنه من قصيدة يرثي بها مالك بن زهير بن حريمة العبسي وبعده :


                                                                                                                                                                                                                                      يجد النساء حواسرا يندبنه     يلطمن أوجههن بالأسحار
                                                                                                                                                                                                                                      قد كن يخبأن الوجوه تسترا     فاليوم حين بدون للنظار



                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الأبيات يحتاج إلى معرفة اصطلاح العرب في ذلك ، وهو أنهم كانوا إذا قتل لهم قتيل لا تقوم عليه نائحة ولا تندبه نادبة حتى يؤخذ بثأره ، فقال هذا : من سره قتل مالك فليأت في أول النهار يجدنا قد أخذنا بثأره ، فذكر اللازم للشيء ، فهو من باب الكناية .

                                                                                                                                                                                                                                      ويحكى أن الشيباني سأل الأصمعي : كيف تنشد قول الربيع : حين بدأن أو بدين ؟ فردده بين الهمزة والياء . فقال الأصمعي : بدأن ، فقال : أخطأت ، فقال : بدين ، فقال : أخطأت فغضب لها الأصمعي ، وكان الصواب أن يقول : بدون بالواو ، لأنه من بدا يبدو ، أي : ظهر . فأتى الأصمعي يوما للشيباني فقال له : كيف تصغر مختارا ؟ فقال : أقول مخيتير ، فضحك منه وصفق بيديه وشنع عليه في حلقته ، وكان الصواب أن يقول : مخير بتشديد الياء ، وذلك أنه اجتمع زائدان : الميم والتاء ، والميم أولى بالبقاء لعلة ذكرها التصريفيون ، فأبقاها ، وحذف التاء ، وأتى بياء التصغير [ ص: 250 ] فقلب لأجلها الألف ياء ، وأدغمها فيها ، فصار "مخيرا " كما ترى ، وهو يحتمل أن يكون اسم فاعل أو اسم مفعول كما كان يحتملهما مكبره ، وهذا أيضا يلبس باسم فاعل خير يخير فهو مخير ، والقرائن تبينه .

                                                                                                                                                                                                                                      ومفعول "يرجعون " محذوف أيضا اقتصارا أي : لعلهم يكونون من أهل الرجوع ، أو اختصارا أي : يرجعون إلى دينكم وما أنتم عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية