1331 - من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار
أي بأوله . وفي ناصب هذا الظرف وجهان ، أحدهما : - وهو الظاهر - أنه فعل الأمر من قوله : " آمنوا " أي : أوقعوا إيمانكم في أول النهار ، وأوقعوا [ ص: 249 ] كفركم في آخره . الثاني : أنه " أنزل " أي : آمنوا بالمنزل في أول النهار ، وليس ذلك بظاهر بدليل المقابلة في قوله : واكفروا آخره فإن الضمير يعود على النهار ، ومن جوز الوجه الثاني جعل الضمير يعود على الذي أنزل ، أي : واكفروا آخر المنزل ، وأسباب النزول تخالف هذا التأويل .
وفي هذا البيت الذي أنشدته فائدة رأيت ذكرها ، وذلك أنه من قصيدة يرثي بها مالك بن زهير بن حريمة العبسي وبعده :
يجد النساء حواسرا يندبنه يلطمن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبأن الوجوه تسترا فاليوم حين بدون للنظار
ومعنى الأبيات يحتاج إلى معرفة اصطلاح العرب في ذلك ، وهو أنهم كانوا إذا قتل لهم قتيل لا تقوم عليه نائحة ولا تندبه نادبة حتى يؤخذ بثأره ، فقال هذا : من سره قتل مالك فليأت في أول النهار يجدنا قد أخذنا بثأره ، فذكر اللازم للشيء ، فهو من باب الكناية .
ويحكى أن الشيباني سأل : كيف تنشد قول الأصمعي الربيع : حين بدأن أو بدين ؟ فردده بين الهمزة والياء . فقال : بدأن ، فقال : أخطأت ، فقال : بدين ، فقال : أخطأت فغضب لها الأصمعي ، وكان الصواب أن يقول : بدون بالواو ، لأنه من بدا يبدو ، أي : ظهر . فأتى الأصمعي يوما الأصمعي للشيباني فقال له : كيف تصغر مختارا ؟ فقال : أقول مخيتير ، فضحك منه وصفق بيديه وشنع عليه في حلقته ، وكان الصواب أن يقول : مخير بتشديد الياء ، وذلك أنه اجتمع زائدان : الميم والتاء ، والميم أولى بالبقاء لعلة ذكرها التصريفيون ، فأبقاها ، وحذف التاء ، وأتى بياء التصغير [ ص: 250 ] فقلب لأجلها الألف ياء ، وأدغمها فيها ، فصار "مخيرا " كما ترى ، وهو يحتمل أن يكون اسم فاعل أو اسم مفعول كما كان يحتملهما مكبره ، وهذا أيضا يلبس باسم فاعل خير يخير فهو مخير ، والقرائن تبينه .
ومفعول "يرجعون " محذوف أيضا اقتصارا أي : لعلهم يكونون من أهل الرجوع ، أو اختصارا أي : يرجعون إلى دينكم وما أنتم عليه .