الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا أاشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون عطف على ( وجعلوا له من عباده جزءا ) أعيد ذلك مع تقدم ما يغني عنه من قوله : أم اتخذ مما يخلق بنات ليبنى عليه الإنكار عليهم بقوله : ( أشهدوا خلقهم ) استقراء لإبطال مقالهم إذ أبطل ابتداء بمخالفته لدليل العقل وبمخالفته لما يجب لله من الكمال ، فكمل هنا إبطاله بأنه غير مستند لدليل الحس .

وجملة ( الذين هم عند الرحمن ) صفة الملائكة .

قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب ( عند ) بعين فنون ودال مفتوحة والعندية عندية تشريف ، أي الذين هم معدودون في حضرة القدس المقدسة بتقديس الله فهم يتلقون الأمر من الله بدون وساطة وهم دائبون على عبادته ، فكأنهم في حضرة الله ، وهذا كقوله : وله ما في السماوات والأرض ومن عنده [ ص: 183 ] وقوله : إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ومنه قول النبيء صلى الله عليه وسلم تحاج آدم وموسى عند الله عز وجل الحديث ، فالعندية مجاز والقرينة هي شأن من أضيفت إليه ( عند ) .

وقرأ الباقون عباد الرحمن بعين وموحدة بعدها ألف ثم دال مضمومة على معنى : الذين هم عباد مكرمون ، فالإضافة إلى اسم الرحمن تفيد تشريفهم ، قال تعالى : بل عباد مكرمون والعبودية عبودية خاصة وهي عبودية القرب كقوله تعالى فكذبوا عبدنا .

وجملة آاشهدوا خلقهم معترضة بين جملة وجعلوا الملائكة وجملة وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم .

وقرأ نافع وأبو جعفر بهمزتين أولاهما مفتوحة والأخرى مضمومة وسكون شين ( اشهدوا ) مبنيا للنائب ، وكيفية أداء الهمزتين يجري على حكم الهمزتين في قراءة نافع ، وعلى هذه القراءة فالهمزة للاستفهام وهو للإنكار والتوبيخ . وجيء بصيغة النائب عن الفاعل دون صيغة الفاعل لأن الفاعل معلوم أنه الله تعالى لأن العالم العلوي الذي كان فيه خلق الملائكة لا يحضره إلا من أمر الله بحضوره ؛ ألا ترى إلى ما ورد في حديث الإسراء من قول كل ملك موكل بباب من أبواب السماوات لجبريل حين يستفتح من أنت ؟ قال : جبريل ، قال : ومن معك ؟ قال : محمد قال : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قال : مرحبا ونعم المجيء جاء وفتح له .

والمعنى : أأشهدهم الله خلق الملائكة ، وكقوله تعالى : ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض .

وقرأه الباقون بهمزة مفتوحة فشين مفتوحة بصيغة الفعل ، فالهمزة لاستفهام الإنكار دخلت على فعل ( شهد ) ، أي ما حضروا خلق الملائكة على نحو قوله تعالى : أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون .

وجملة ستكتب شهادتهم بدل اشتمال من جملة أأشهدوا خلقهم لأن [ ص: 184 ] ذلك الإنكار يشتمل على الوعيد . وهذا خبر مستعمل في التوعد . وكتابة الشهادة كناية عن تحقق العذاب على كذبهم كما تقدم آنفا في قوله : وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ومنه قوله تعالى سنكتب ما قالوا . والسين في سنكتب لتأكيد الوعيد .

والمراد بشهادتهم : ادعاؤهم أن الملائكة إناث ، وأطلق عليها شهادة تهكما بهم .

والسؤال سؤال تهديد وإنذار بالعقاب وليس مما يتطلب عنه جواب ؛ كقوله تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ، ومنه قول كعب بن زهير :


لذاك أهيب عندي إذ أكلمه وقيل إنك منسوب ومسئول



أي مسئول عما سبق منك من التكذيب الذي هو معلوم للسائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية