الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ضرب لكم مثلا يتبين به بطلان الشرك من أنفسكم أي منتزعا من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم، وأعرفها عندكم، وأظهرها دلالة على ما ذكر من بطلان الشرك لكونها بطريق الأولوية، ( ومن ) لابتداء الغاية، وقوله تعالى: هل لكم إلى آخره تصوير للمثل، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي ( ولكم ) خبر مقدم، وقوله تعالى: من ما ملكت أيمانكم في موضع الحال من شركاء )، بعد، لأنه نعت نكرة تقدم عليها، والعامل فيها كما في البحر هو العامل في الجار والمجرور الواقع خبرا، ( ومن ) للتبعيض، وما واقعة على النوع، وقوله تعالى: من شركاء مبتدأ ( ومن ) مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من الاستفهام، وقوله تعالى: في ما رزقناكم متعلق بشركاء، أي هل شركاء فيما رزقناكم من الأموال، وما يجري مجراها مما تنصرفون فيه كائنون من النوع الذي ملكته أيمانكم من نوع العبيد والإماء كائنون لكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يكون ( لكم ) متعلقا بشركاء، ويكون في ما رزقناكم في موضع الخبر، كما تقول: لزيد في المدينة [ ص: 38 ] مبغض، فلزيد متعلق بــ(مبغض)، الذي هو مبتدأ، وفي المدينة الخبر، أي هل شركاء لكم كائنون مما ملكته أيمانكم كائنون فيما رزقناكم، وقوله تعالى: فأنتم فيه سواء جملة في موضع الجواب للاستفهام الإنكاري، ( وفيه ) متعلق بـ(سواء)، وفي الكلام محذوف معطوف على (أنتم) أي فأنتم وهم، أي المماليك مستوون فيه، لا فرق بينكم وبينهم في التصرف فيه، وقيل: لا حذف، و(أنتم) شامل للمماليك بطريق التغليب، وقوله تعالى: تخافونهم خبر آخر لـ(أنتم)، وقال أبو البقاء: حال من ضمير (أنتم) الفاعل في ( سواء )، وقوله تعالى: كخيفتكم أنفسكم في موضع الصفة لمصدر محذوف، أي تخافونهم أن تستبدوا بالتصرف فيه بدون رأيهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم يعني الأحرار المساهمين لكم، والمقصود نفي مضمون ما فصل من الجملة الاستفهامية أي لا ترضون بأن يشارككم فيما رزقناكم من الأموال ونحوها مماليككم، وهم أمثالكم في البشرية غير مخلوقين لكم، بل لله تعالى، فكيف تشركون به سبحانه في المعبودية التي هي من خصائصه تعالى الذاتية مخلوقه سبحانه، بل مصنوع مخلوقه جل وعلا، حيث تصنعونه بأيديكم، ثم تعبدونه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن أبي عبلة «أنفسكم» بالرفع على أن المصدر مضاف للمفعول ( وأنفسكم ) فاعله، قال أبو حيان : وهو وجه حسن ولا قبح في إضافة المصدر إلى المفعول مع وجود الفاعل، ( كذلك ) أي مثل ذلك التفصيل الواضح نفصل الآيات أي نبينها ونوضحها لا تفصيلا أدنى منه، فإن التمثيل تصوير للمعاني المعقولة بصورة المحسوس وإبراز لأوابد المدركات على هيئة المأنوس، فيكون في غاية الإيضاح والبيان.

                                                                                                                                                                                                                                      لقوم يعقلون أي يستعملون عقولهم في تدبير الأمثال، وقيل: في تدبير الأمور مطلقا، ويدخل في ذلك الأمثال دخولا أوليا، وخصهم بالذكر مع عموم تفصيل الآيات للكل، لأنهم المنتفعون بها، وذكر العلامة الطيبي أنه لما كان ضرب الأمثال لإدناء المتوهم إلى المعقول، وإراءة المتخيل في صورة المحقق، ناسب أن تكون الفاصلة ( لقوم يعقلون ) وهذه النكتة هنا أظهر منها فيما تقدم، فتذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عباس عن أبي عمرو «يفصل» بياء الغيبة رعيا (لضرب) إذ هو مسند لما يعود للغائب، وقراءة الجمهور بالنون للحمل على ( رزقناكم )، وذكر بعض العلماء أن في هذه الآية دليلا على صحة أصل الشركة بين المخلوقين لافتقار بعضهم إلى بعض، كأنه قيل: الممتنع المستقبح شركة العبيد لساداتهم، أما شركة السادات بعضهم لبعض فلا تمتنع ولا تستقبح.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية