الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (73) قوله تعالى : إلا لمن تبع : في هذه اللام وجهان ، أحدهما : أنها زائدة مؤكدة ، كهي في قوله تعالى : ردف لكم أي : ردفكم ، وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      1332 - فلما أن تواقفنا قليلا أنخنا للكلاكل فارتمينا



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      1333 - ما كنت أخدع للخليل بخلة     حتى يكون لي الخليل خدوعا



                                                                                                                                                                                                                                      أي : أنخنا الكلاكل ، وأخدع الخليل ، ومثله :


                                                                                                                                                                                                                                      1334 - يذمون للدنيا وهم يرضعونها     أفاويق حتى ما يدر لها ثعل



                                                                                                                                                                                                                                      يريد : يذمون الدنيا ، ويروي "بالدنيا " بالباء ، وأظن البيت : "يذمون لي [ ص: 251 ] الدنيا " فاشتبه اللفظ على السامع ، وكذا رأيته في بعض التفاسير ، وهذا ليس بقوي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن "أمن " ضمن معنى أقر واعترف ، فعدي باللام أي : ولا تقروا ولا تعترفوا إلا لمن تبع دينكم ، ونحوه : فما آمن لموسى وما أنت بمؤمن لنا . وقال أبو علي : "وقد تعدى " آمن "باللام في قوله : فما آمن لموسى آمنتم له يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين فذكر أنه يتعدى بها من غير تضمين . والصواب ما قدمته من التضمين ، وقد حققت هذا أول البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا استثناء مفرغ ، وقال أبو البقاء : " إلا لمن تبع "فيه وجهان ، أحدهما : أنه استثناء مما قبله ، والتقدير : ولا تقروا إلا لمن تبع " فعلى هذا اللام غير زائدة ، ويجوز أن تكون زائدة ، ويكون محمولا على المعنى أي : اجحدوا كل أحد من تبع ، والثاني : أن النية به التأخير والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، فاللام على هذا زائدة ، و "من " في موضع نصب على الاستثناء من "أحد " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الفارسي : "الإيمان لا يتعدى إلى مفعولين فلا يتعلق أيضا بجارين ، وقد تعلق بالجار المحذوف من قوله : أن يؤتى فلا يتعلق باللام في قوله : لمن تبع دينكم إلا أن يحمل الإيمان على معناه ، فيتعدى إلى [ ص: 252 ] مفعولين ، ويكون المعنى : " ولا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم كما تقول : أقررت لزيد بألف ، فتكون اللام متعلقة بالمعنى ، ولا تكون زائدة على حد ردف لكم إن كنتم للرؤيا تعبرون . قلت : فهذا تصريح من أبي علي بأنه ضمن آمن معنى أقر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أن يؤتى أحد اعلم أن في هذه الآية كلاما كثيرا لا بد من إيراده عن قائليه ليتضح ذلك ، فأقول وبالله العون : اختلف الناس في هذه الآية على [وجوه :] أحدها : أن يكون أن يؤتى أحد متعلقا بقوله : ولا تؤمنوا على حذف حرف الجر ، والأصل : "وتؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم " فلما حذف حرف الجر جرى الخلاف المشهور بين الخليل وسيبويه في محل "أن " ، ويكون قوله : قل إن الهدى هدى الله جملة اعتراضية ، قال الزمخشري في تقرير هذا الوجه وبه بدأ : "ولا تؤمنوا متعلق بقوله : " أن يؤتى أحد " ، وما بينهما اعتراض أي : " ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم ، أرادوا : أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا لأشياعكم وحدهم دون المسلمين ، لئلا يزيدهم ثباتا ، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام ، أو يحاجوكم عطف على "أن يؤتى " . والضمير في "يحاجوكم " لأحد لأنه في معنى الجميع ، بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم ، فإن المسلمين يحاجوكم عند ربكم بالحق ، ويغالبونكم عند الله . فإن قلت : ما معنى الاعتراض ؟ قلت : معناه أن الهدى هدى الله ، من شاء أن يلطف به حتى يسلم أو يزيد ثباتا كان ذلك ، ولم ينفع كيدكم وحيلكم [ ص: 253 ] وزيكم تصديقكم عن المسلمين والكافرين ، وكذلك قوله : قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء يريد الهداية والتوفيق " . قلت : هذا كلام حسن لولا ما يريد بباطنه ، وعلى هذا يكون قوله إلا لمن تبع مستثنى من شيء محذوف ، تقديره : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم لأحد من الناس إلا لأشياعكم دون غيرهم ، وتكون هذه الجملة أعني قوله : ولا تؤمنوا إلى آخرها - من كلام الطائفة المتقدمة ، أي : وقالت طائفة كذا ، وقالت أيضا : ولا تؤمنوا ، وتكون الجملة من قوله : قل إن الهدى هدى الله من كلام الله لا غير .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن اللام زائدة في " لمن تبع "وهو مستثنى من أحد المتأخر ، والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، فمن تبع منصوب على الاستثناء من " أحد " ، وعلى هذا الوجه جوز أبو البقاء في محل " أن يؤتى "ثلاثة أوجه : الأول والثاني مذهب الخليل وسيبويه وقد تقدما . الثالث : النصب على المفعول من أجله تقديره : مخافة أن يؤتى .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الوجه الثاني لا يصح من جهة المعنى ولا من جهة الصناعة : أما المعنى فواضح ، وأما الصناعة فلأن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه وعلى عامله ، وفيه أيضا تقديم ما في صلة " أن "عليها ، وهو غير جائز .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أن يكون " أن يؤتى "مجرورا بحرف العلة وهو اللام ، والمعلل محذوف تقديره : لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه ، لا لشيء آخر ، وعلى هذا يكون كلام الطائفة قد تم عند قوله إلا لمن تبع دينكم ، ولنوضح هذا الوجه بما قاله الزمخشري . قال رحمه الله : " أو تم الكلام عند قوله : إلا لمن تبع دينكم ، على معنى : ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر [ ص: 254 ] وهو إيمانهم وجه النهار إلا لمن تبع دينكم ، إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم ، لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم ، ولأن إسلامهم كان أغيظ لهم ، وقوله : أن يؤتى أحد معناه : لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه لا لشيء آخر ، يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم ، والدليل عليه قراءة ابن كثير : "أأن يؤتى أحد " بزيادة همزة الاستفهام للتقرير والتوبيخ بمعنى : ألأن يؤتى أحد ؟ فإن قلت : فما معنى قوله " أو يحاجوكم " على هذا ؟ قلت : معناه دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولما يتصل به عند كفركم به من محاجتهم لكم عند ربكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : أن ينتصب "أن يؤتى بفعل مقدر يدل عليه ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كأنه قيل : قل إن الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، فلا تنكروا ناصب لأن وما في حيزها ، لأن قوله ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم إنكار لأن يؤتى أحد مثل ما أوتوا . قال الشيخ : " وهذا بعيد لأن فيه حذف حرف النهي وحذف معموله ، ولم يحفظ ذلك من لسانهم "قلت : متى دل على العامل دليل جاز حذفه على أي حالة كان .

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس : أن يكون " هدى الله "بدلا من " الهدى "الذي هو اسم إن ، ويكون خبر إن : أن يؤتى أحد ، والتقدير : قل إن هدى الله أن يؤتى أحد ، أي : إن هدى الله إيتاء أحد مثل ما أوتيتم ، وتكون " أو "بمعنى " حتى " ، والمعنى : حتى يحاجوكم عند ربكم فيغلبوكم ويدحضوا حجتكم عند الله ، ولا يكون " أو يحاجوكم "معطوفا على أن يؤتى وداخلا في حيز أن .

                                                                                                                                                                                                                                      السادس : أن يكون " أن يؤتى "بدلا من هدى الله ، ويكون المعنى : قل [ ص: 255 ] إن الهدى هدى الله وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن ، ويكون قوله : " أو يحاجوكم "بمعنى أو فليحاجوكم فإنهم يغلبونكم ، قاله ابن عطية ، وفيه نظر ، لأنه يؤدي إلى حذف حرف النهي وإبقاء عمله .

                                                                                                                                                                                                                                      السابع : أن تكون " لا "النافية مقدرة قبل " أن يؤتى "فحذفت لدلالة الكلام عليها وتكون " أو "بمعنى إلا أن ، والتقدير : ولا تؤمنوا لأحد بشيء إلا لمن تبع دينكم بانتفاء أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، وجاء بمثله وعاضدا له ، فإن ذلك لا يؤتاه غيركم إلا أن يحاجوكم كقولك : لألزمنك أو تقضيني حقي ، وفيه ضعف من حيث حذف " لا "النافية ، وما ذكروه من دلالة الكلام عليها غير ظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                      الثامن : أن يكون "أن يؤتى " مفعولا من أجله ، وتحرير هذا القول أن تجعل قوله : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم ليس داخلا تحت قوله "قل " بل هو من تمام قول الطائفة متصل بقوله : ولا تؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم مخافة أن يؤتى أحد من النبوة والكرامة مثل ما أوتيتم ، ومخافة أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه . وهذا القول منهم ثمرة حسدهم وكفرهم مع معرفتهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولما قدر المبرد المفعول من أجله هنا قدر المضاف : كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي : ممن خالف دين الإسلام ، لأن الله لا يهدي من هو كاذب وكفار ، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين ، والخطاب في "أوتيتم " و "يحاجوكم " لأمة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      واستضعف بعضهم هذا وقال : كونه مفعولا من أجله على تقدير : "كراهة " يحتاج إلى تقدير عامل فيه ويصعب بتقديره ، إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها بكراهة الإيتاء المذكور .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 256 ] التاسع : أن "أن " المفتوحة تأتي للنفي كما تأتي "لا " نقل ذلك بعضهم نصا عن الفراء ، وجعل "أو " بمعنى إلا ، والتقدير : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا أن يحاجوكم ، فإن إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم أو محاجتكم عند ربكم ، لأن من آتاه الله الوحي لا بد أن يحاجهم عند ربهم في كونهم لا يتبعونه ، فقوله : "أو يحاجوكم " حال لازمة من جهة المعنى ، إذ لا يوحي الله لرسول إلا وهو محاج مخالفيه . وهذا قول ساقط إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلفوا في الجملة من قوله : " ولا تؤمنوا " هل هي من مقول الطائفة أم من مقول الله تعالى ، على معنى أن الله تعالى خاطب به المؤمنين تثبيتا لقلوبهم وتسكينا لجأشهم ؛ لئلا يشكوا عند تلبس اليهود عليهم وتزويرهم ؟ وقد نقل ابن عطية الإجماع من أهل التأويل على أنه من مقول الطائفة ، وليس بسديد لما نقله الناس من الخلاف .

                                                                                                                                                                                                                                      و "أحد " يجوز أن يكون في الآية الكريمة من الأسماء الملازمة للنفي وألا يكون ، بل يكون بمعنى واحد . وقد تقدم الفرق بينهما بأن الملازم للنفي همزته أصلية ، والذي لا يلازم النفي همزته بدل من واو ، فعلى جعله ملازما للنفي يظهر عود الضمير عليه جمعا اعتبارا بمعناه ، لأن المراد به العموم ، وعليه قوله : فما منكم من أحد عنه حاجزين جمع الخبر لما كان "أحد " في معنى الجميع ، وعلى جعله غير الملازم للنفي يكون جمع الضمير في "يحاجوكم " باعتبار الرسول عليه السلام وأتباعه . وبعض الأوجه المتقدمة يصح أن يجعل فيها "أحد " المذكور الملازم للنفي ، وذلك إذا كان الكلام [ ص: 257 ] على معنى الجحد ، وإذا كان الكلام على معنى الثبوت كما مر في بعض الوجوه فيمتنع جعله الملازم للنفي ، والأمر واضح مما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير : "أأن يؤتى " بهمزة استفهام وهو على قاعدته في كونه يسهل الثانية بين بين من غير مد بينهما . وخرجت هذه القراءة على أوجه ، أحدها : أن يكون "أن يؤتى " على حذف حرف الجر وهو لام العلة والمعلل محذوف ، تقديره : ألأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبرتموه . وقد قدمت تحقيق هذا فحينئذ يسوغ في محل "أن " الوجهان : أعني النصب مذهب سيبويه ، والجر مذهب الخليل .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أن "أن يؤتى " في محل رفع بالابتداء والخبر محذوف تقديره : أأن يؤتى أحد يا معشر اليهود مثل ما أوتيتم من الكتاب والعلم تصدقون به أو تعترفون به أو تذكرونه لغيركم أو تشيعونه في الناس ونحو ذلك مما يحسن تقديره ، وهذا على قول من يقول : "أزيد ضربته " وهو وجه مرجوح ، كذا قدره الواحدي تبعا للفارسي ، وأحسن من هذا التقدير لأنه الأصل : أإتيان أحد مثل ما أوتيتم ممكن أو مصدق به .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أن يكون منصوبا بفعل مقدر يفسره هذا الفعل المضمر ، وتكون المسألة من باب الاشتغال والتقدير : أتذكرون أن يؤتى أحد تذكرونه ، فتذكرونه مفسر لتذكرون الأول على حد : "أزيدا ضربته " ثم حذف الفعل الأخير المفسر لدلالة الكلام عليه ، وكأنه منطوق به ، ولكونه في قوة المنطوق [ ص: 258 ] به صح له أن يفسر مضمرا ، وهذه المسألة منصوص عليها . وهذا أرجح من الوجه قبله ، لأنه مثل : أزيدا ضربته ، وهو راجح لأجل الطالب للفعل ، ومثل حذف هذا الفعل المقدر لدلالة ما قبل الاستفهام عليه حذف الفعل في قوله : آلآن وقد عصيت قيل : تقديره : الآن آمنت ورجعت وتبت ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الواحدي : "فإن قيل : كيف وجد دخول " أحد "في هذه القراءة وقد انقطع من النفي والاستفهام ، وإذا انقطع الكلام إيجابا وتقريرا فلا يجوز دخول " أحد " ؟ قيل : يجوز أن يكون " أحد "في هذا الموضع " أحدا "الذي في نحو : أحد وعشرين وهذا يقع في الإيجاب ، ألا ترى أنه بمعنى واحد . وقال أبو العباس : " إن أحدا ووحدا وواحدا بمعنى " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : " أو يحاجوكم " " أو "في هذه القراءة بمعنى حتى ، ومعنى الكلام : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تذكرونه لغيركم حتى يحاجكم عند ربكم . قال الفراء : " ومثله في الكلام : تعلق به أو يعطيك حقك ، ومثله قول امرئ القيس :


                                                                                                                                                                                                                                      1335 - فقلت له : لا تبك عينك إنما     نحاول ملكا أو نموت فنعذرا



                                                                                                                                                                                                                                      أي : حتى ، ومن هذا قوله تعالى : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب [ ص: 259 ] عليهم قال : "فهذا وجه ، وأجود منه أن تجعله عطفا على الاستفهام ، والمعنى : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجكم أحد عند الله تصدقونه وهذا كله معنى قول الفارسي ، ويجوز أن يكون " أن يؤتى أحد "منصوبا بفعل مقدر لا على سبيل التفسير ، بل لمجرد الدلالة المعنوية تقديره : أتذكرون أو أتشيعون أن يؤتى أحد ، ذكره الفارسي أيضا ، وهذا هو الوجه الرابع .

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس : أن يكون " أن يؤتى "في قراءته مفعولا من أجله على أن يكون داخلا تحت القول لا من قول الطائفة . وهو أظهر من جعله من قول الطائفة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ضعف الفارسي قراءة ابن كثير فقال : " وهذا موضع ينبغي أن ترجح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير ، لأن الأسماء المفردة ليس بمستمر فيها أن تدل على الكثرة " . وقرأ الأعمش وشعيب بن أبي حمزة : " إن يؤتى "بكسر الهمزة ، وخرجها الزمخشري على أنها : " إن "النافية فقال : " على إن النافية ، وهو متصل بكلام أهل الكتاب أي : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع [ ص: 260 ] دينكم وقولوا لهم : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم ، يعني لا يؤتون مثله فلا يحاجونكم " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية : " وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خطابا من الطائفة القائلة ، ويكون قولها "أو يحاجوكم " بمعنى : أو فليحاجوكم وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتي ، أو تكون بمعنى : إلا أن يحاجوكم ، وهذا على تجويز أن يؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له "فقد ظهر على ما ذكر ابن عطية أنه يجوز في " أو "في هذه القراءة أن تكون على بابها من كونها للتخيير والتنويع ، وأن تكون بمعنى " إلا " ، إلا أن فيه حذف حرف الجزم وإبقاء عمله ، وهو لا يجوز ، وعلى قول غيره تكون بمعنى حتى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن : " أن يؤتي أحد "على بناء الفعل للفاعل . ولما نقل هذه القراءة بعضهم لم يتعرض لـ " أن "بفتح ولا كسر كأبي البقاء ، وتعرض لها بعضهم فقيدها بكسر " إن "وفسرها بـ " إن "النافية ، والظاهر في معناها أن إنعام الله لا يشبهه إنعام أحد من خلقه ، وهي خطاب من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، والمفعول محذوف تقديره : إن يؤتي أحد أحدا مثل ما أوتيتم ، فحذف المفعول الأول وهو " أحدا "لدلالة المعنى عليه ، وأبقي الثاني . وهذا ما تلخص من كلام الناس في هذه الآية مع اختلافه ولله الحمد . قال الواحدي : " وهذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرا ، ولقد تدبرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية ، فلم أجد قولا يطرد في هذه الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى وصحة النظم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية