الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن ذلك فيما يتعلق بالوتر ، وقد ذكره في أبواب منها في اختلاف مالك والشافعي . باب ما جاء في الوتر بركعة واحدة أخبرنا الربيع قال سألت الشافعي عن الوتر أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة ليس قبلها شيء فقال : نعم ، [ ص: 165 ] والذي أختار أن صل عشر ركعات ثم أوتر بواحدة فقلت للشافعي فما الحجة في أن الوتر يجوز بواحدة ؟ فقال : الحجة فيه السنة والآثار أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى } أخبرنا مالك عن أبي شهاب عن عروة عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة } أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بركعة أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يسلم من الركعة والركعتين من الوتر حتى يأمر ببعض حاجته .

( قال الشافعي ) وكان عثمان يحيي الليل بركعة وهي وتره ، وأوتر معاوية بواحدة فقال ابن عباس أصاب فقلت للشافعي فإنا نقول لا نحب لأحد أن يوتر بأقل من ثلاث ويسلم من الركعتين ، والركعة من الوتر فقال الشافعي : لست أعرف لما تقولون وجها ، والله المستعان إن كنتم ذهبتم إلى أنكم تكرهون أن يصلي ركعة منفردة فأنتم إذا صلى ركعتين قبلها ، ثم سلم تأمرونه بإفراد الركعة ; لأن من سلم من صلاة فقد فصلها عما بعدها ألا ترى أن الرجل يصلي النافلة بركعات يسلم في كل ركعتين فيكون كل ركعتين يسلم بينهما منقطعتين من الركعتين اللتين قبلهما وبعدهما وأن السلام أفضل للفصل ألا ترى أن رجلا لو فاتته صلوات فقضاهن في مقام يفصل بينهن بسلام كانت كل صلاة غير الصلاة التي قبلها وبعدها ; لخروجه من كل صلاة بالسلام ، وإن كان إنما أردتم أنكم كرهتم أن يصلي واحدة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منها وإنما يستحب أن يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ، وإن كان أراد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل مثنى مثنى فأقل مثنى مثنى أربع فصاعدا وواحدة غير مثنى وقد ، أوتر بواحدة في الوتر كما أمر بمثنى وقد أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس ركعات لا يجلس ولا يسلم إلا في الآخرة منهن } ، فقلت للشافعي فما معنى هذا ؟ فقال هذه نافلة تسع أن يوتر بواحدة وأكثر ونختار ما [ ص: 166 ] وصفت من غير أن نضيف غيره وقولكم : والله يغفر لنا ولكم لا يوافق سنة ولا أثرا ولا قياسا ولا معقولا قولكم خارج من كل شيء من هذا وأقاويل الناس إما أن تقولوا لا يوتر إلا بثلاث كما قال بعض الشرقيين ولا يسلم في واحدة منهن كي لا يكون الوتر واحدة وإما أن لا تكرهوا الوتر بواحدة وكيف تكرهون الوتر بواحدة وأنتم تأمرون بالسلام فيها ؟ وإذا أمرتم به فهي واحدة وإن قلتم كرهناه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوتر بواحدة ليس قبلها شيء فلم يوتر النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليس فيهن شيء فقد استحسنتم أن توتروا بثلاث ، ومنها في اختلاف مالك والشافعي .

باب في الوتر .

أخبرنا الربيع قال : أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك عن نافع قال : كنت مع ابن عمر ليلة والسماء متغيمة فخشي ابن عمر الصبح فأوتر بواحدة ، ثم تكشف الغيم فرأى عليه ليلا فشفع بواحدة ، قال لي الشافعي : وأنتم تخالفون ابن عمر من هذا في موضوعين فتقولون لا : يوتر بواحدة ومن ، أوتر بواحدة لم يشفع وتره قال : ولا أعلمكم تحفظون عن أحد أنه قال : لا يشفع وتره فقلت للشافعي : فما تقول أنت في هذا فقال بقول ابن عمر : إنه كان يوتر بركعة قال : أفتقول يشفع بوتره فقلت لا : فقال فما حجتك فيه فقلت : روينا عن ابن عباس أنه كره لابن عمر أن يشفع وتره وقال : إذا أوترت من أول الليل فاشفع من آخره ولا تعد وترا ولا تشفعه وأنتم زعمتم أنكم لا تقبلون إلا حديث صاحبكم وليس من حديث صاحبكم خلاف ابن عمر ومنها في اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما في باب الوتر والقنوت أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الرحيم عن زاذان أن عليا رضي الله عنه كان يوتر بثلاث يقرأ في كل ركعة بتسع سور من المفصل وهم يقولون نقرأ بسبح اسم ربك الأعلى .

والثانية { قل يا أيها الكافرون } ، والثالثة نقرأ فاتحة الكتاب و { ، قل هو الله أحد } وأما نحن فنقول يقرأ فيها ب " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " ، و " قل أعوذ برب الناس " ، ويفصل بين الركعتين والركعة بالتسليم ومنها في اختلاف الحديث في باب الوتر .

( قال الشافعي ) وقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر أول الليل وآخره في حديث يثبت مثله وحديث دونه وذلك فيما وصفت من المباح له أن يوتر في الليل كله ونحن نبيح له في المكتوبة أن يصلي في أول الوقت وآخره وهذا في الوتر ، أوسع منه أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا أبو يعفور عن مسلم عن مسروق عن عائشة [ ص: 167 ] قالت : { من كل الليل قد ، أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر } .

التالي السابق


الخدمات العلمية