الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 385 ] 344 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البر والإثم ما هما ؟

2138 - حدثنا فهد بن سليمان وهارون بن كامل قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن نواس بن سمعان ، قال : أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة ، فإن أحدنا كان إذا هاجر لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، قال : فسألته عن البر والإثم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع الناس عليه .

[ ص: 386 ]

2139 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الزبير أبي عبد السلام ، عن أيوب بن عبد الله بن مكرز ، عن وابصة الأسدي ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه ، فانتهيت إليه وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه ، فجعلت أتخطاهم لأدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 387 ] فانتهرني بعضهم ، وقال : إليك يا وابصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : دعوني فوالله إن أحب الناس إلي أن أدنو منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعوا وابصة ثم قال : ادعوا وابصة ثم قال : أدنوا وابصة فأدناني حتى قعدت بين يديه ، فقال : سل أو أخبرك ، فقلت : لا بل أخبرني ، قال : جئت تسأل عن البر والإثم . قلت : نعم يا رسول الله ، فجعل ينكت بهن في صدري ويقول : يا وابصة استفت نفسك قالها ثلاثا ، البر ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في نفسك وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذين الحديثين فوجدنا في حديث النواس منهما أن البر حسن الخلق ، وفي حديث وابصة منهما أن البر ما اطمأنت إليه النفس .

ووجدناهما جميعا يرجعان إلى معنى واحد ؛ لأن النفس إذا اطمأنت كان منها حسن الخلق وكان الإثم معه ضد ذلك من انتفاء الطمأنينة عن النفس وكان مع ذلك سوء الخلق وما يتردد في الصدور عند مثله ولا يخرجه فتيا الناس صاحبه .

[ ص: 388 ] ومثل ذلك ما قد رواه الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

2140 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن [ ص: 389 ] جرير ، قال : حدثنا شعبة عن بريد بن أبي مريم ، عن أبي الحوراء السعدي ، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الصدق طمأنينة والكذب ريبة .

قال أبو جعفر : والطمأنينة معها حسن الخلق والريبة معها سوء الخلق وما يتردد في الصدور ، ولا يخرجه فتيا الناس فعاد بحمد الله ونعمته في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تصديق بعضه بعضا لا إلى تضاد بعضه بعضا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية