الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من أعجب العجب مجادلتهم مع إقرارهم بما يلزمهم به [ ص: 193 ] قطعا التسليم في أنه الواحد لا شريك له وأن له جميع صفات الكمال فله الحمد كله، قال: ولئن أي يجادلون أو يقولون: بل نتبع آباءنا والحال أنهم إن سألتهم من خلق السماوات بأسرها والأرض وجميع ما فيها ليقولن ولما كان الأنسب للحكمة التي هي مطلع السورة الاقتصار على محل الحاجة، لم يزد هنا على المسند إليه بخلاف الزخرف التي مبناها الإبانة، فقال لافتا القول عن العظمة إلى أعظم منها فقال: الله [أي] "المسمى بهذا الاسم الذي جمع مسماه بين الجلال والإكرام" فقد أقروا بأن كل ما أشركوا به بعض خلقه ومصنوع من مصنوعاته.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا يعتقدون أن شركاءهم تفعل لهم بعض الأفعال، فلذلك كانوا يرجونهم ويخافونهم، كما أن ذلك واضح في قصة عم أنس الصم وغيرها، أمره صلى الله عليه وسلم بأن يعلمهم أنه لا خلق لغيره ولا أمر، بل هو مبدع كل شيء في السماوات والأرض كما أبدعهما، وأن من [ ص: 194 ] جملة ذلك مما يستحق به الحمد سبحانه قهرهم على تصديقه صلى الله عليه السلام [بمثل] هذا الإقرار وهم في غاية التكذيب، فقال مستأنفا: قل الحمد أي الإحاطة بجميع أوصاف الكمال لله أي الذي له الإحاطة الشاملة الكاملة من غير تقييد بخلق الخافقين ولا غيره "الأمر أعظم من مقالة قائل" كما أحاط بما تعلمونه من خلق السماوات والأرض، فهو فاعل الأفعال كلها، كما أنه خالق الذوات كلها، ولا شريك له في شيء من الأمر، كما أنه لا شريك له في شيء من الخلق.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانوا يظنون أن أصنامهم تصنع شيئا كما قالت امرأة ذي النور الدوسي رضي الله عنه: هل يخشى على الصبية من ذي الشرى، وكما قال قوم ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه لما سب آلهتهم: اتق الجذام اتق البرص، وكما قال سادن العزى، وكما قالت ثقيف في طاغيتهم، حتى أنهم قالوا عندما سويت بالأرض، والله ليغضبن الأساس، حتى حمل ذلك المغيرة بن شعبة رضي الله عنه على أن حفر الأساس، وكانوا إذا مستهم الضراء لا سيما في البحر تبرؤوا منها، وأسندوا الأمر إلى من هو له كما هو مضمون التوحيد، فكان ربما قال قائل استنادا إلى ذلك: [ ص: 195 ] إنهم ليعلمون ما أثبت بالتحميد، قال: بل أكثرهم لا يعلمون أي إن الله هو المنفرد بكل شيء كما أنه تفرد بخلق السماوات والأرض، وأنه لا يكون شيء، إلا بإذنه لأنهم لا يعملون بما يعلمون من ذلك، وعلم لا يعمل به عدم، بل العدم خير منه، وكان القليل هم المقتصدون عند النجاة من الشدة كما سيأتي آنفا، أو يكون المعنى أنه لا علم لهم أصلا إذ لو كان لهم علم لنفعهم في علمهم بالله، أو في أنهم لا يقرون بتفرده سبحانه بالخلق والرزق، فيكون ذلك موجبا لتناقضهم وملزما لهم بالإقرار بصدقك في الحكم بوحدانيته على الإطلاق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية