الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4126 ) فصل : ومتى قلنا بجوازها ، لم يفتقر إلى ضرب مدة ; لأن إبقاءها إليهما ، وفسخها جائز لكل واحد منهما متى شاء ، فلم تحتج إلى مدة ، كالمضاربة . وإن قدرها بمدة جاز ; لأنه لا ضرر في التقدير ، وقد بينا جواز ذلك في المضاربة ، والمساقاة مثلها . وتنفسخ بموت كل واحد منهما وجنونه والحجر عليه لسفه ، كقولنا في المضاربة

                                                                                                                                            فإذا مات العامل أو رب المال ، انفسخت المساقاة فكان الحكم فيها كما لو فسخها أحدهما ، على ما أسلفناه . وإن قلنا بلزومها ، لم ينفسخ العقد ، ويقوم الوارث مقام الميت منهما ; لأنه عقد لازم ، فأشبه الإجارة . ولكن إن كان الميت العامل ، فأبى وارثه القيام مقامه ، لم يجبر ; لأن الوارث لا يلزمه من الحقوق التي على موروثه إلا ما أمكن دفعه من تركته ، والعمل ليس مما يمكن ذلك فيه

                                                                                                                                            فعلى هذا يستأجر الحاكم من التركة من يعمل العمل ، فإن لم تكن له تركة ، أو تعذر الاستئجار منها ، فلرب المال الفسخ ; لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه ، فيثبت الفسخ ، كما لو تعذر ثمن المبيع قبل قبضه ، ثم إن كانت الثمرة قد ظهرت ، بيع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لأجر ما بقي من العمل ، واستؤجر من يعمل ذلك . وإن احتيج إلى بيع الجميع ، بيع

                                                                                                                                            ثم لا يخلو إما أن تكون الثمرة قد بدا صلاحها أو لم يبد ، فإن كانت قد بدا صلاحها ، خير المالك بين البيع والشراء ، فإن اشترى نصيب العامل جاز ، وإن اختار بيع نصيبه أيضا باعه ، وباع الحاكم نصيب العامل ، وإن أبى البيع والشراء ، باع الحاكم نصيب العامل وحده ، وما بقي على العامل من العمل يكتري عليه من يعمله ، وما فضل لورثته ، وإن كان لم يبد صلاحها خير المالك أيضا ، فإن بيع لأجنبي لم يجز إلا بشرط القطع ، ولا يجوز بيع نصيب العامل وحده ، لأنه لا يمكنه قطعه إلا بقطع نصيب المالك ، فيقف إمكان قطعه على قطع ملك غيره

                                                                                                                                            [ ص: 236 ] وهل يجوز شراء المالك لها ؟ على وجهين ، وهكذا الحكم إذا انفسخت المساقاة بموت العامل ، لقولنا بجوازها وأبى الوارث العمل . وإن اختار رب المال البقاء على المساقاة ، لم تنفسخ إذا قلنا بلزومها ، ويستأذن الحاكم في الإنفاق على الثمرة ، ويرجع بما أنفق ، فإن عجز عن استئذان الحاكم ، فأنفق محتسبا بالرجوع ، وأشهد على الإنفاق بشرط الرجوع ، رجع بما أنفق . وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ; لأنه مضطر . وإن أمكنه استئذان الحاكم ، فأنفق بنية الرجوع من غير استئذانه ، فهل يرجع بذلك ؟ على وجهين ، بناء على ما إذا قضي دينه بغير إذنه

                                                                                                                                            وإن تبرع بالإنفاق ، لم يرجع بشيء ، كما لو تبرع بالصدقة . والحكم فيما إذا أنفق على الثمرة بعد فسخ العقد إذا تعذر بيعها ، كالحكم ها هنا سواء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية