الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ زعم ]

                                                          زعم : قال الله تعالى : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ، وقال تعالى : فقالوا هذا لله بزعمهم ؛ الزعم والزعم والزعم ، ثلاث لغات : القول ، زعم زعما وزعما وزعما أي قال ، وقيل : هو القول يكون حقا ويكون باطلا ، وأنشد ابن الأعرابي لأمية في الزعم الذي هو حق :


                                                          وإني أذين لكم أنه سينجزكم ربكم ما زعم



                                                          وقال الليث : سمعت أهل العربية يقولون إذا قيل ذكر فلان كذا وكذا فإنما يقال ذلك لأمر يستيقن أنه حق ، وإذا شك فيه فلم يدر لعله كذب [ ص: 34 ] أو باطل قيل : زعم ، فلان قال : وكذلك تفسر هذه الآية : فقالوا هذا لله بزعمهم ؛ أي بقولهم الكذب ، وقيل : الزعم الظن ، وقيل : الكذب ، زعمه يزعمه ، والزعم تميمية ، والزعم حجازية ؛ وأما قول النابغة :


                                                          زعم الهمام بأن فاها بارد

                                                          وقوله :


                                                          زعم الغداف بأن رحلتنا غدا

                                                          فقد تكون الباء زائدة كقوله :


                                                          سود المحاجر لا يقرأن بالسور

                                                          وقد تكون زعم هاهنا في معنى شهد فعداها بما تعدى به شهد كقوله تعالى : وما شهدنا إلا بما علمنا . وقالوا : هذا ولا زعمتك ولا زعماتك ، يذهب إلى رد قوله ، قال الأزهري : الرجل من العرب إذا حدث عمن لا يحقق قوله يقول ولا زعماته ؛ ومنه قوله :


                                                          لقد خط رومي ولا زعماته

                                                          وزعمتني كذا تزعمني زعما : ظننتني ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          فإن تزعميني كنت أجهل فيكم     فإني شريت الحلم بعدك بالجهل

                                                          .

                                                          وتقول : زعمت أني لا أحبها وزعمتني لا أحبها ، يجيء في الشعر ، فأما في الكلام فأحسن ذلك أن يوقع الزعم على أن دون الاسم . والتزعم : التكذب ؛ وأنشد :


                                                          أيها الزاعم ما تزعما

                                                          وتزاعم القوم على كذا تزاعما إذا تضافروا عليه ، قال : وأصله أنه صار بعضهم لبعض زعيما ؛ وفي قوله مزاعم أي لا يوثق به ، قال الأزهري : الزعم إنما هو في الكلام ، يقال : أمر فيه مزاعم أي أمر غير مستقيم فيه منازعة بعد . قال ابن السكيت : ويقال للأمر الذي لا يوثق به مزعم أي يزعم هذا أنه كذا يزعم هذا أنه كذا . قال ابن بري : الزعم يأتي في كلام العرب على أربعة أوجه ، يكون بمعنى الكفالة والضمان ؛ شاهده قول عمر بن أبي ربيعة :


                                                          قلت : كفي لك رهن بالرضى     وازعمي يا هند ، قالت : قد وجب



                                                          وازعمي أي اضمني ؛ وقال النابغة يصف نوحا :


                                                          نودي : قم واركبن بأهلك إن     ن الله موف للناس ما زعما



                                                          زعم هنا فسر بمعنى ضمن ، وبمعنى قال ، وبمعنى وعد ، ويكون بمعنى الوعد ، قال عمرو بن شأس :


                                                          وعاذلة تخشى الردى أن يصيبني     تروح وتغدو بالملامة والقسم



                                                          تقول :

                                                          هلكنا ، إن هلكت ! وإنما     على الله أرزاق العباد كما زعم



                                                          وزعم هنا بمعنى قال ووعد ، وتكون بمعنى القول والذكر ؛ قال أبو زبيد الطائي :


                                                          يا لهف نفسي إن كان الذي زعموا     حقا ! وماذا يرد اليوم تلهيفي
                                                          إن كان مغنى وفود الناس راح به     قوم إلى جدث ، في الغار ، منجوف ؟



                                                          المعنى : إن كان الذي قالوه حقا لأنه سمع من يقول حمل عثمان على النعش إلى قبره ؛ قال المثقب العبدي :


                                                          وكلام سيء قد وقرت     أذني عنه وما بي من صمم
                                                          فتصاممت ، لكيما لا يرى     جاهل أني كما كان زعم



                                                          وقال الجميح :


                                                          أنتم بنو المرأة التي زعم الن     ناس عليها ، في الغي ، ما زعموا



                                                          ويكون بمعنى الظن ؛ قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود :


                                                          فذق هجرها ! قد كنت تزعم أنه     رشاد ألا يا ربما كذب الزعم



                                                          فهذا البيت لا يحتمل سوى الظن ، وبيت عمر بن أبي ربيعة لا يحتمل سوى الضمان ، وبيت أبي زبيد لا يحتمل سوى القول ، وما سوى ذلك على ما فسر . وحكى ابن بري أيضا عن ابن خالويه : الزعم يستعمل فيما يذم كقوله - تعالى - : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ؛ حتى قال بعض المفسرين : الزعم أصله الكذب ، قال : ولم يجئ فيما يحمد إلا في بيتين ، وذكر بيت النابغة الجعدي وذكر أنه روي لأمية بن أبي الصلت ، وذكر أيضا بيت عمرو بن شأس ورواه لمضرس ؛ قال أبو الهيثم : تقول العرب قال إنه وتقول زعم أنه ، فكسروا الألف مع قال ، وفتحوها مع زعم لأن زعم فعل واقع بها أي بالألف متعد إليها ، ألا ترى أنك تقول زعمت عبد الله قائما ، ولا تقول قلت زيدا خارجا إلا أن تدخل حرفا من حروف الاستفهام فتقول هل تقوله فعل كذا ومتى تقولني خارجا ؛ وأنشد :


                                                          قال الخليط : غدا تصدعنا     فمتى تقول الدار تجمعنا

                                                          ؟

                                                          ومعناه فمتى تظن ومتى تزعم . والزعوم من الإبل والغنم : التي يشك في سمنها فتغبط بالأيدي ، وقيل : الزعوم التي يزعم الناس أن بها نقيا ؛ قال الراجز :


                                                          وبلدة تجهم الجهوما     زجرت فيها عيهلا رسوما
                                                          مخلصة الأنقاء أو زعوما

                                                          قال ابن بري : ومثله قول الآخر :


                                                          وإنا من مودة آل سعد     كمن طلب الإهالة في الزعوم



                                                          وقال الراجز :


                                                          إن قصاراك على رعوم     مخلصة العظام ، أو زعوم



                                                          [ ص: 35 ] المخلصة : التي قد خلص نقيها . وقال الأصمعي : الزعوم من الغنم التي لا يدرى أبها شحم أم لا ، ومنه قيل : فلان مزاعم أي لا يوثق به . والزعوم : القليلة الشحم وهي الكثيرة الشحم ، وهي المزعمة ، فمن جعلها القليلة الشحم فهي المزعومة ، وهي التي إذا أكلها الناس قالوا لصاحبها توبيخا : أزعمت أنها سمينة ؛ قال ابن خالويه : لم يجئ أزعم في كلامهم إلا في قولهم أزعمت القلوص أو الناقة إذا ظن أن في سنامها شحما . ويقال : أزعمتك الشيء أي جعلتك به زعيما . والزعيم : الكفيل . زعم به يزعم زعما وزعامة أي كفل . وفي الحديث : الدين مقضي والزعيم غارم ؛ والزعيم : الكفيل ، والغارم : الضامن . وقال الله تعالى : وأنا به زعيم ؛ قالوا جميعا : معناه وأنا به كفيل ؛ ومنه حديث علي ، رضوان الله عليه : ذمتي رهينة وأنا به زعيم . وزعمت به أزعم زعما وزعامة أي كفلت . وزعيم القوم : رئيسهم وسيدهم ، وقيل : رئيسهم المتكلم عنهم ومدرههم ، والجمع زعماء . والزعامة : السيادة والرياسة ، وقد زعم زعامة ؛ قال الشاعر :


                                                          حتى إذا رفع اللواء رأيته     تحت اللواء على الخميس ، زعيما



                                                          والزعامة : السلاح ، وقيل : الدرع أو الدروع . وزعامة المال : أفضله وأكثره من الميراث وغيره ؛ وقول لبيد :


                                                          تطير عدائد الأشراك شفعا     ووترا ، والزعامة للغلام



                                                          فسره ابن الأعرابي فقال : الزعامة هنا الدرع والرياسة والشرف ، وفسره غيره بأنه أفضل الميراث ، وقيل : يريد السلاح لأنهم كانوا إذا اقتسموا دفعوا السلاح إلى الابن دون الابنة ، وقوله شفعا ووترا يريد قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين . وأما الزعامة وهي السيادة أو السلاح فلا ينازع الورثة فيها الغلام ، إذ هي مخصوصة به . والزعم ، بالتحريك : الطمع ، زعم يزعم زعما وزعما : طمع ؛ قال عنترة :


                                                          علقتها عرضا وأقتل قومها     زعما ورب البيت ، ليس بمزعم



                                                          أي ليس بمطمع ؛ قال ابن السكيت : كان حبها عرضا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه ، فيقول : علقتها وأنا أقتل قومها فكيف أحبها وأنا أقتلهم ؟ أم كيف أقتلهم وأنا أحبها ؟ ثم رجع على نفسه مخاطبا لها فقال : هذا فعل ليس بفعل مثلي ؛ وأزعمته أنا . ويقال : زعم فلان في غير مزعم أي طمع في غير مطمع ؛ ويقال : زعم في غير مزعم أي طمع في غير مطمع ؛ قال الشاعر :


                                                          له ربة قد أحرمت حل ظهره     فما فيه للفقرى ولا الحج مزعم



                                                          وأمر مزعم أي مطمع . وأزعمه : أطمعه . وشواء زعم وزعم : مرش كثير الدسم سريع السيلان على النار . وأزعمت الأرض : طلع أول نبتها ؛ عن ابن الأعرابي : زاعم وزعيم : اسمان . والمزعامة : الحية . والزعموم : العيي . والزعمي : الكاذب . والزعمي : الصادق . والزعم : الكذب ؛ قال الكميت :


                                                          إذا الإكام اكتست مآليها     وكان زعم اللوامع الكذب



                                                          يريد السراب ، والعرب تقول : أكذب من يلمع . وقال شريح : زعموا كنية الكذب . وقال شمر : الزعم والتزاعم أكثر ما يقال فيما يشك فيه ولا يحقق ، وقد يكون الزعم بمعنى القول ، وروي بيت الجعدي يصف نوحا ، وقد تقدم ، فهذا معناه التحقيق ؛ قال الكسائي : إذا قالوا زعمة صادقة لآتينك ، رفعوا ، وحلفة صادقة لأقومن ، قال : وينصبون يمينا صادقة لأفعلن . وفي الحديث : أنه ذكر أيوب ، عليه السلام ، قال : كان إذا مر برجلين يتزاعمان فيذكران الله كفر عنهما أي يتداعيان شيئا فيختلفان فيه فيحلفان عليه كان يكفر عنهما لأجل حلفهما ؛ وقال الزمخشري : معناه أنهما يتحادثان بالزعمات وهي ما لا يوثق به من الأحاديث ، وقوله فيذكران الله أي على وجه الاستغفار . وفي الحديث : بئس مطية الرجل زعموا ؛ معناه أن الرجل إذا أراد المسير إلى بلد والظعن في حاجة ركب مطيته وسار حتى يقضي إربه ، فشبه ما يقدمه المتكلم أمام كلامه ويتوصل به إلى غرضه من قوله زعموا كذا وكذا بالمطية التي يتوصل بها إلى الحاجة ، وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه ، وإنما يحكى عن الألسن على سبيل البلاغ ، فذم من الحديث ما كان هذا سبيله . وفي حديث المغيرة : زعيم الأنفاس أي موكل بالأنفاس يصعدها لغلبة الحسد والكآبة عليه ، أو أراد أنفاس الشرب كأنه يتجسس كلام الناس ويعيبهم بما يسقطهم ؛ قال ابن الأثير : والزعيم هنا بمعنى الوكيل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية