الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وقال أبو الحسن الأشعري أيضا: ( اختلفت "الروافض" أصحاب الإمامة في "التجسيم" وهم ست فرق: فالفرقة الأولى "هشامية" أصحاب هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحد ). وذكر مثل ما تقدم عن هشام، وزاد أنهم (لم يعينوا طولا غير الطويل، وإنما [ ص: 573 ] قالوا "طوله مثل عرضه" على المجاز دون التحقيق، وأنه قد كان لا في مكان، ثم حدث المكان بأن تحرك الباري فحدث المكان بحركته فكان فيه، وزعم أن المكان هو العرش ). قال: (وذكر "أبو الهذيل" في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له: إن ربه لجسم ذاهب جاء، يتحرك تارة ويسكن أخرى، ويقعد مرة ويقوم أخرى،، وأنه طويل عريض عميق؛ لأن ما لم يكن كذلك دخل في حد التلاشي، قال: فقلت له: فأيما أعظم إلهك أو هذا الجبل؟ -قال وأومأت إلى جبل أبي قبيس - قال: فقال: هذا الجبل يوفي عليه؟ أي هو أعظم منه ).

قال: (وذكر أيضا ابن الراوندي أن هشام بن الحكم كان يقول إن بين إلهه وبين الأجسام المشاهدة تشابها [ ص: 574 ] بجهة من الجهات لولا ذلك ما دلت عليه، وحكى عنه خلاف هذا: أنه كان يقول: إنه جسم وأبعاض، لا يشبهها ولا تشبهه غير أن هشام بن الحكم في بعض كتبه كان يزعم أن الله تعالى إنما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب في عمق الأرض، ولولا ملابسته لما وراء ما هنالك لما درى ما هناك، وزعم أن بعضه يرى وهو شعاعه وأن الثرى محال على بعضه. ولو زعم هشام أن الله يعلم ما تحت الثرى بغير اتصال ولا خبر ولا قياس كان قد ترك تعلقه بالمشاهدة، وقال بالحق. وذكر عن "هشام" أنه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل: زعم مرة أنه كالبلورة، وزعم مرة أنه كالسبيكة، وزعم مرة أنه غير صورة، وزعم مرة أنه بشبر نفسه سبعة أشبار. ثم رجع عن ذلك. وقال: هو جسم لا كالأجسام ).

[ ص: 575 ] قال: (وزعم "أبو عيسى الوراق" أن بعض أصحاب هشام أجابه مرة [إلى ] أن الله تعالى وتقدس على العرش مماس له، وأنه لا يفضل على العرش ولا يفضل العرش عنه ).

قال: ("والفرقة الثانية" من الرافضة الإمامية يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام، وإنما يذهبون في قولهم: "إنه جسم" إلى أنه موجود، ولا يثبتون الباري تعالى ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة، ويزعمون أن الله تعالى وتقدس على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.

و "الفرقة الثالثة" منهم يزعمون أن ربهم تعالى وتقدس على صورة الإنسان، ويمنعون أن يكون جسما.

و "الفرقة الرابعة" منهم "الهشامية" أصحاب هشام بن [ ص: 576 ] سالم الجواليقي: يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، وينكرون أن يكون لحما ودما، ويقولون هو نور ساطع يتلألأ ضياء، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وأنه يسمع بغير ما يبصر به، وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم ). قال- (وحكى "أبو عيسى الوراق": أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه تعالى وتقدس وفرة سوداء، وأن ذلك نور أسود.

و "الفرقة الخامسة": يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت، وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بأمر واحد، وليس بذي صورة ولا أعضاء ولا اختلاف في الأجزاء، وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان ). [ ص: 577 ]

قال: (و "الفرقة السادسة" من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا صورة، ولا يشبه الأشياء، ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس. وقالوا: في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من متأخريهم. فأما أوائلهم فكانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه ).

التالي السابق


الخدمات العلمية