الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                365 [ ص: 197 ] 13 - باب

                                في كم تصلي المرأة من الثياب

                                وقال عكرمة: لو وارت جسدها في ثوب جاز.

                                التالي السابق


                                يريد عكرمة : أن الواجب عليها في الصلاة ستر جميع جسدها، فلو وارته كله بثوب واحد جاز، ومراده بجسدها: بدنها ورأسها، فلهذا قال كثير من الصحابة ، ومن بعدهم: تصلي المرأة في درع وخمار إشارة منهم: إلى أنه يجب عليها ستر رأسها وجسدها.

                                فإن سترت جسدها بثوب ورأسها بثوب جاز، ولم تكره صلاتها، وهو أدنى الكمال في لباسها، وإن التحفت بثوب واحد خمرت به رأسها وجسدها صحت صلاتها، لكنه خلاف الأولى.

                                قال رباح بن أبي معروف : كان عطاء لا يرى أن تصلي المرأة في الثوب الواحد، إلا من ضرورة.

                                وروى عمر بن ذر ، عن عطاء في المرأة لا يكون لها إلا الثوب الواحد، قال: تتزر به.

                                ومعنى: " تتزر به ": تلتحف به، وتشتمل على رأسها وبدنها.

                                قال سفيان الثوري : إن صلت في ملحفة واسعة تغطي جميع بدنها أجزأها.

                                قال: وأكره أن تصلي في درع واحد، فإن صلت كذلك فقد أساءت، وتجزئها صلاتها.

                                وقال إسحاق : إن صلت في ملحفة واحدة غطت كل شيء من بدنها جازت صلاتها.

                                [ ص: 198 ] والأفضل أن تصلي المرأة في ثلاثة أثواب عند جمهور العلماء.

                                قال حرب الكرماني : ثنا إسحاق - هو: ابن راهويه -: ثنا المعتمر - هو: ابن سليمان - قال: سمعت أبي يحدث عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن عمر بن الخطاب ، قال: تصلي المرأة في ثلاثة أثواب إذا قدرت: درع، وخمار، وإزار.

                                حدثنا إسحاق : ثنا عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال: تصلي المرأة في الدرع والخمار والملحفة.

                                فأما " الدرع ": فهو ما تلبسه على بدنها.

                                قال أبو طالب : قيل لأحمد : الدرع القميص؟ قال: يشبه القميص، لكنه سابغ يغطي رجليها.

                                وأما " الخمار " : فهو ما تخمر به رأسها.

                                وقد سبق حديث: " لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار ".

                                وأما " الإزار " : فاختلف في تفسيره:

                                فقالت طائفة: هو مثل إزار الرجل الذي يأتزر به في وسطه، وهذا قول إسحاق -: نقله عنه حرب ، وهو ظاهر كلام أحمد - أيضا.

                                وقال إسحاق : إن تسرولت بدل الإزار جاز، وإن لم تتزر بل التحفت بملحفة فوق درعها بدل الإزار جاز.

                                وروى الفضل بن دكين في " كتاب الصلاة ": ثنا أبو هلال ، عن محمد بن سيرين قال: كانوا يستحبون أن تصلي المرأة في درع وخمار وحقو.

                                وقال ابن عبد البر : روي عن عبيدة أن المرأة تصلي في الدرع والخمار [ ص: 199 ] والحقو، رواه ابن سيرين عنه، وقال به، وقال: الأنصار تسمي الإزار الحقو.

                                وروى مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، أن امرأة استفتت عائشة ، فقالت: إن المنطق يشق علي، أفأصلي في درع وخمار؟ قالت: نعم، إذا كان الدرع سابغا.

                                قال: والمنطق هنا: الحقو، وهو الإزار والسراويل.

                                والقول الثاني: أن المراد بالإزار: الجلباب، وهو الملحفة السابغة التي يغطى بها الرأس والثياب، وهذا قول الشافعي وأصحابنا، وقد سبق عن ابن عمر ما يدل عليه.

                                وقال النخعي : تصلي المرأة في الدرع والملحفة السابغة، تقنع بها رأسها.

                                وخرج أبو داود من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن محمد بن زيد بن قنفذ ، عن أمه، عن أم سلمة ، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: " إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها ".

                                وخرجه - أيضا - من طريق مالك ، عن محمد بن زيد ، عن أمه، عن أم سلمة - موقوفا - وذكر جماعة تابعوا مالكا على وقفه.

                                وذكر الدارقطني أن وقفه هو الصواب.




                                الخدمات العلمية