الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 645 ] كتاب الجنائز

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1- (ب) = نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2- (ر) = نسخة الحمزوية رقم (115)

                                                                                                                                                                                        3- (ش2) = نسخة أهل ناجم - تيشيت (شنقيط) [ ص: 646 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 647 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        كتاب الجنائز

                                                                                                                                                                                        باب في الصلاة على الميت، وصفتها ومقام الإمام من الميت

                                                                                                                                                                                        من حق المسلم على المسلم إذا مات أربعة: غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ومواراته، ولا خلاف في هذه الجملة، واختلف في منازل بعضها من الوجوب، فأما تكفينه ومواراته -صلى الله عليه وسلم- فواجبان قولا واحدا، واختلف في غسله والصلاة عليه، هل ذلك واجب؟ أو سنة؟ فقال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: غسله سنة، وقال أبو محمد عبد الوهاب غسله واجب، واحتج من نصر هذا القول بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في ابنته: "اغسلنها..." الحديث، وبقوله [ ص: 648 ] في المحرم: "اغسلوه..." قال: وهذا أمر، وأمره على الوجوب، وليس في كلا الحديثين أمر بين، فأما الأول فإنما خرج مخرج التعليم لصفة الغسل، وكذلك في المحرم خرج مخرج البيان لصفة ما يجوز أن يعمل بالمحرم وما يجنب من الطيب، وتغطية الرأس، وقد كان غسل الموتى قبل هاتين النازلتين أمرا معروفا ومعمولا به.

                                                                                                                                                                                        وأما الصلاة فقال ابن عبد الحكم في كتاب محمد: هي فرض وتلا قول الله تعالى: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا [التوبة: 84].

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب: إنها فرض، وقال أصبغ: هي سنة، فأما ما ذهب إليه ابن عبد الحكم من أنها فرض بالآية فليس بحسن; لأن النهي عن الشيء أمر بضده إذا كان له ضد واحد، كالنهي عن الفطر أمر بالصوم، والأمر بالصوم نهي عن الفطر، وليس كذلك إذا كان له أضداد، فضد المنع من الصلاة على المنافقين إباحة الصلاة على المؤمنين، والندب، والوجوب، فليس لنا أن نحمل الآية على الوجوب دون الإباحة والندب، إلا أنه لم تختلف [ ص: 649 ] الأمة أن الناس مأخوذون بالصلاة على موتاهم، وأنهم لا يسعهم ترك ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول إنها فرض في العبارة عنه، فقيل: فرض على الكفاية، وقيل: على الأعيان حتى يقوم به بعضهم، والمعنى في ذلك واحد، فهو من فروض الكفاية; لأنه يكتفى فيه بقيام بعضهم، وفرض على أعيان تلك الجماعة التي بذلك الموضع حتى يقوم به بعضهم، فيسقط عن الباقين.

                                                                                                                                                                                        والسنة أيضا أن تصلى جماعة بإمام، وإن صلى واحد أجزأه، ويستحب أن تعاد الصلاة لفضل الجماعة، وقد مر بجنازة عبد الرحمن بن عوف على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلين عليه بعد أن صلي عليه.

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن القصار عن مالك أنه أجاز أن يصلى على الميت في القبر، وإن كان قد صلي عليه فهو في هذا أخف.

                                                                                                                                                                                        وقد ندب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الاستكثار من الجماعة فقال: "ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون فيه، إلا شفعوا فيه". وقال: "ما من مسلم يقوم على جنازته أربعون رجلا.. إلا شفعهم الله فيه" أخرج هذين الحديثين مسلم. [ ص: 650 ]

                                                                                                                                                                                        وهذا تنبيه منه -صلى الله عليه وسلم- وحض على هذه العدة، وأرى أن يجتهد في المائة ولا يقصر عن الأربعين.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية