الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ( 86 ) سيقولون لله قل أفلا تتقون ( 87 ) )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد : من رب السماوات السبع ، ورب العرش المحيط بذلك؟ سيقولون : ذلك كله لله ، وهو ربه ، فقل لهم : أفلا تتقون عقابه على كفركم به وتكذيبكم خبره وخبر رسوله؟

وقد اختلفت القراء في قراءة قوله : ( سيقولون لله ) فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق والشام : ( سيقولون لله ) سوى أبي عمرو ، فإنه خالفهم فقرأه : " سيقولون الله " في هذا الموضع ، وفي الآخر الذي بعده اتباعا لخط المصحف ، فإن ذلك كذلك في مصاحف الأمصار ، إلا في مصحف أهل البصرة ، فإنه في الموضعين بالألف ، فقرءوا [ ص: 64 ] بالألف كلها اتباعا لخط مصحفهم ، فأما الذين قرءوه بالألف فلا مؤنة في قراءتهم ذلك كذلك ; لأنهم أجروا الجواب على الابتداء ، وردوا مرفوعا على مرفوع ، وذلك أن معنى الكلام على قراءتهم : قل من رب السماوات السبع ، ورب العرش العظيم ، سيقولون رب ذلك الله ، فلا مؤنة في قراءة ذلك كذلك . وأما الذين قرءوا ذلك في هذا ، والذي يليه بغير ألف ، فإنهم قالوا : معنى قوله : قل من رب السماوات : لمن السماوات؟ لمن ملك ذلك؟ فجعل الجواب على المعنى ، فقيل : لله ; لأن المسألة عن ملك ذلك لمن هو؟ قالوا : وذلك نظير قول قائل لرجل : من مولاك؟ فيجيب المجيب عن معنى ما سئل ، فيقول : أنا لفلان ; لأنه مفهوم لذلك من الجواب ما هو مفهوم بقوله : مولاي فلان . وكان بعضهم يذكر أن بعض بني عامر أنشده :


وأعلم أنني سأكون رمسا إذا سار النواجع لا يسير     فقال السائلون لمن حفرتم
؟ فقال المخبرون لهم وزير



فأجاب المخفوض بمرفوع ; لأن معنى الكلام : فقال السائلون : من الميت؟ فقال المخبرون : الميت وزير . فأجابوا عن المعنى دون اللفظ .

والصواب من القراءة في ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بهما علماء من القراء ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أني مع ذلك أختار قراءة جميع ذلك بغير ألف ; لإجماع خطوط مصاحف الأمصار على ذلك ، سوى خط مصحف أهل البصرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية