الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ( 90 ) ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ( 91 ) عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ( 92 ) )

[ ص: 66 ] يقول : ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون بالله ، من أن الملائكة بنات الله ، وأن الآلهة والأصنام آلهة دون الله ( بل أتيناهم بالحق ) اليقين ، وهو الدين الذي ابتعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وذلك الإسلام ، ولا يعبد شيء سوى الله ; لأنه لا إله غيره ( وإنهم لكاذبون ) يقول : وإن المشركين لكاذبون فيما يضيفون إلى الله ، وينحلونه من الولد والشريك ، وقوله : ( ما اتخذ الله من ولد ) يقول تعالى ذكره : ما لله من ولد ، ولا كان معه في القديم ، ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته ، ولو كان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته ( من إله إذا لذهب ) يقول : إذن لاعتزل كل إله منهم ( بما خلق ) من شيء ، فانفرد به ، ولتغالبوا ، فلعلا بعضهم على بعض ، وغلب القوي منهم الضعيف ; لأن القوي لا يرضى أن يعلوه ضعيف ، والضعيف لا يصلح أن يكون إلها ، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها ، لمن عقل وتدبر . وقوله : ( إذا لذهب ) جواب لمحذوف ، وهو : لو كان معه إله ، إذن لذهب كل إله بما خلق ، اجتزئ بدلالة ما ذكر عليه عنه . وقوله : ( سبحان الله عما يصفون ) يقول تعالى ذكره ; تنزيها لله عما يصفه به هؤلاء المشركون من أن له ولدا ، وعما قالوه من أن له شريكا ، أو أن معه في القدم إلها يعبد تبارك وتعالى .

وقوله : ( عالم الغيب والشهادة ) يقول تعالى ذكره : هو عالم ما غاب عن خلقه من الأشياء ، فلم يروه ولم يشاهدوه ، وما رأوه وشاهدوه ، إنما هذا من الله خبر عن هؤلاء الذين قالوا من المشركين : اتخذ الله ولدا وعبدوا من دونه آلهة ، أنهم فيما يقولون ويفعلون مبطلون مخطئون ، فإنهم يقولون ما يقولون من قول في ذلك عن غير علم ، بل عن جهل منهم به ، وإن العالم بقديم الأمور وبحديثها ، وشاهدها وغائبها عنهم الله الذي لا يخفى عليه شيء ، فخبره هو الحق دون خبرهم وقال : ( عالم الغيب ) فرفع على الابتداء ، بمعنى : هو عالم الغيب ، ولذلك دخلت الفاء في قوله : ( فتعالى ) كما يقال : مررت بأخيك المحسن فأحسنت إليه ، فترفع المحسن إذا جعلت فأحسنت إليه بالفاء ; لأن معنى الكلام إذا كان كذلك : مررت بأخيك هو المحسن ، فأحسنت إليه . ولو جعل الكلام بالواو فقيل : وأحسنت إليه ، لم يكن وجه الكلام في المحسن إلا الخفض على النعت للأخ ، ولذلك لو جاء ( فتعالى ) بالواو كان وجه الكلام في ( عالم الغيب ) الخفض على الاتباع لإعراب اسم الله ، وكان يكون معنى الكلام : سبحان الله عالم الغيب والشهادة [ ص: 67 ] وتعالى! فيكون قوله ( وتعالى ) حينئذ معطوفا على سبحان الله ، وقد يجوز الخفض مع الفاء ; لأن العرب قد تبدأ الكلام بالفاء ، كابتدائها بالواو ، وبالخفض كأن يقرأ : ( عالم الغيب ) في هذا الموضع أبو عمرو ، وعلى خلافه في ذلك قراءة الأمصار .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا الرفع لمعنيين : أحدهما : إجماع الحجة من القراء عليه ، والثاني : صحته في العربية .

وقوله : ( فتعالى عما يشركون ) يقول تعالى ذكره : فارتفع الله وعلا عن شرك هؤلاء المشركين ، ووصفهم إياه بما يصفون .

التالي السابق


الخدمات العلمية