الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير )

                                                          * * *

                                                          يضرب الله تعالى الأمثال ليقرب المعاني السامية إلى العقول المدركة ، ويكثر في كتابه الحكيم من الأمثال لتكون المعاني العالية التي تخفى على الأفهام - معروفة [ ص: 146 ] مألوفة لديهم ; ولذلك قال تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون . وقد ضرب الله سبحانه مثلا للمنافقين بمن استوقد نارا ، ولكن لم يستفيدوا ، وذلك لأنهم في وسط علم النبوة ، والإشراق المحمدي ، والجوار لأهل الحق . ولكن استمروا في ظلمتهم .

                                                          وقد ضرب الله تعالى مثلا آخر ، يبين فيه سبحانه ما نزل لهم من نور ، وما قرعهم الله تعالى به من قوارع ، وما أصاب نفوسهم من نوازل ، كان من شأنها أن تجذبهم إلى الإيمان ، فلم يتجهوا إليه ، ولم يخلعوا أنفسهم مما هم فيه من انحراف عن الحق ، ومقام عن إدراكه .

                                                          لقد نصر الله تعالى المؤمنين ، ونصرهم كان كالصواعق والرعد ، وفيهم الهدى ، فضرب مثلا بهذه الحال ، فقال : أو كصيب من السماء فيه ظلمات الآية . أو هنا عاطفة على قوله تعالى : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا أي أن مثلهم كمستوقد النار ، أو مثلهم كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، ويقول الزمخشري : إن " أو " أصلها للشك ، ثم صارت بالمجاز دالة على التسوية ، كقوله تعالى : ولا تطع منهم آثما أو كفورا ، أي أن الإثم والكفر سواء في أن طاعة أهلهما حرام تجر إلى الوبال وسوء العقبى والمآل ، والتسوية هنا بين المثل في أن كليهما فيه عبرة واعتبار ، وتصوير لحال المنافقين ، فالأول يصورهم ، ونور الحق بجوارهم ، وهم يعيشون فيه بأجسامهم ، وإن جافته قلوبهم ، والثاني يصورهم ، وماء الحياة ينزل عليهم مدرارا من السماء ، ومن شأنه أن يحيي موات الأرض والنفوس ، ولكنه لهم ظلمات ، وفيه رعد مزعج وبرق يبرق ويبين ، وصواعق تنزل قارعة للأجسام ، عسى أن تقرع النفوس فتحولها من الضلال [ ص: 147 ] إلى الهدى ، فهما مثلان متلاقيان غير متباينين ، كل واحد منهما يصور جانبا من جوانب المنافقين ، الأول يصور الحق كنور رأوه ، ولم يهتدوا به ، والثاني كماء الحياة ينزل عليهم وسط نذر وإرعاد وإبراق ، فلم يرتدعوا به ، فهم لم يهتدوا بنور هاد ، ولم تردعهم النذر والآيات .

                                                          والصيب هو الماء ينزل ، وهو وزن فيعل من صاب يصوب بمعنى نزل ، فأصلها صيوب اجتمعت الياء والواو ، وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء كـ " سيد " و " ميت " ، وغير ذلك مما يشابهها من كلمات في التصريف ، واللفظ في القرآن له فصاحة وبلاغة قائمة بذاتها ، فصيب تدل على ماء نازل بقوة تقرع الرءوس قرعا ، وينبههم على الماء الذي جعل الله تعالى منه حياة كل شيء .

                                                          والسماء ما أظلك ، ولماذا أسند إلى السماء ، والمطر ينزل منها دائما ; ونقول إن ذكر السماء يدل على أمرين ، أحدهما - أنه نازل من السماء ، وليس من العيون والينابيع ، فإن ماءها لا ينزل ، ولكن يخرج سلسبيلا ، وثانيهما - للإشارة إلى أنه يجيء من عل ، فينصب انصبابا .

                                                          ووصف سبحانه الماء ، وهو يمطر وابلا بأن فيه ظلمات ، وهي جمع ظلمة ، وقد تكاثفت هذه الظلمات فاجتمع فيها ظلمة الدجنة الحالكة ، وظلمة السحب الداكنة ، وظلمة الليل الدامس ، وظلمة الانهمار الذي ينصب على الرءوس انصبابا ، وفيه رعد وبرق ، وفيه صواعق تصك آذانهم صكا شديدا ، وتفزعهم ، حتى إنهم يجعلون أصابعهم في آذانهم حذر الموت ، خوفا من أن يموتوا .

                                                          وهذا تصوير للنذر التي كانت تأتيهم مع ماء الحياة الذي يحييهم عساهم أن يهتدوا بالنذر إذ لم يهتدوا بالحق في ذاته ، وقد كان نورا قد أشرف .

                                                          [ ص: 148 ] والرعد على ما هو مقرر الآن مظهر من مظاهر الكهرباء التي أودعها الله تعالى في الأجسام ، فبعض السحاب يحتوي على كهرباء تسمى موجبة ، وأخرى تحتوي على كهرباء تسمى في اصطلاحهم سالبة ، وإذا اصطدم السحاب الموجب بالسحاب السالب حدث صوت شديد هو الرعد ، وصحب الاصطدام نور هو البرق ، وقد تنزل نار محرقة من جراء ذلك هي الصواعق ، فالمطر الصيب يكون فيه ظلمات ورعد وبرق وصواعق ، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في هذا المثل ، ونرجع رجعة نتعرف فيها تفسير علماء الأثر للرعد والبرق والصواعق ، وسنجد من بينهم من يقارب تفسيره لما تقرر في هذا العصر ، ومن باعده .

                                                          فممن باعده ما رواه الترمذي عن ابن عباس أنه قال ، سألت اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الرعد فقال : " ملك من الملائكة بيده مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله " ، فقالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال : " زجره السحاب إذا زجره ، حتى ينتهي إلى حيث أمر " ، قالوا : صدقت . وفسر ابن عباس - في رواية لا ندري مقدار صحتها - البرق بأنه سوط من نور بيد الملك يزجر به السحاب .

                                                          ولقد جاء في تفسير القرطبي : قالت الفلاسفة الرعد صوت اصطكاك أجرام السحاب ، والبرق مما ينقدح ، من اصطكاكها . ولا شك أن تفسير الفلاسفة قريب مما قرره العلماء في عصرنا من أنه احتكاك سحابة سالبة بأخرى موجبة ، يتولد عنه صوت هو الرعد ، ونور هو البرق .

                                                          وإن الزمخشري رضي الله عنه فسر الرعد والبرق بمثل ما فسر الفلاسفة ، فقال : والرعد الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب ، وتنتفض إذا حدتها الريح فتصوت عند ذلك من الارتعاد ، والبرق الذي يلمع من السحاب ، ولا شك أن ذلك قريب مما يقرره الفلاسفة ، وإن لم يكن هو .

                                                          [ ص: 149 ] وهنا يجب أن نتكلم في الرواية التي تقرر أن ملكا هو الذي يكون الرعد والبرق ، فالخبر لم تروه الصحاح ، ولم يروه إلا الترمذي ، ومن المقرر أن الأخبار إذا خالفت العلم الضروري القاطع أولت ، أو كان ذلك دليلا على ضعفها لضعف متنها ، فقد قال الغزالي : إذا خالفت النصوص ما قرره علماء الكون والطبيعة على أنه حقيقة مقررة تؤول النصوص إذا خالفتها ، وإذا كانت حديث آحاد ردت نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم .

                                                          وعلى ذلك فنحن نفسر القرآن الكريم في قضية الرعد والبرق والصواعق بما تقرر في العلم ، ولا نحسب أن حديثا ثابت السند ، ولو حديث آحاد خالف ذلك .

                                                          وقد صور الله سبحانه وتعالى قوة الصواعق في قرعها الشديد للآذان بقوله : يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت .

                                                          وإن الإنسان عندما يقرع أذنه قارع شديد ، لا يضع أصابعه كلها في أذنه ، بل يضع فقط طرف أصبعه السبابة فلا يجعل في أذنه جملة أصابعه ; ولذلك كان في الكلام مجاز لاستحالة الحقيقة ، ويعدون ذلك من المجاز المرسل بإطلاق اسم الكل وإرادة الجزء ، وإن إطلاق اسم الكل وإرادة الجزء كثير في الاستعمال العربي ، وفي القرآن الذي هو أبلغ الكلام ، فقد قال تعالى : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم ولا يراد الأيدي كلها ، بل يراد بعضها ، وقال تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ولا تقطع اليد كلها في حد السرقة .

                                                          ويقرر الغزالي أن أصبع السبابة هي التي تسد الأذن بطرفها ، ثم يقول : فإن قلت : إن الأصبع التي تسد بها الأذن أصبع خاصة فلم ذكر الاسم العام دون الخاص ؟ قلت : لأن السبابة فعالة من السب ، فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن ، ألا ترى أنهم قد استسبحوا بها فكنوا عنها بالمسبحة .

                                                          [ ص: 150 ] وفي الحلية : إن ذكر الأصابع مع إرادة بعضها فيه بيان عظم الهول في نفوسهم واشتداده على حواسهم حتى أصابتهم رعدة الخوف ، وظنوا الظنون من هول ما يرون ، وقوله تعالى : حذر الموت أي خوفا من الموت ، فهي مفعول لأجله ، والصواعق جمع صاعقة ، وهي ما ينزل من السماء من نار ، في الرعد والبرق .

                                                          وهنا يسأل سائل : هل جعل الأصابع أو أطراف بعضها في الآذان يمنع الموت عنهم ، فيحذرونه بوضع الأصابع ، والجواب عن ذلك ، أن التعليل ليس لمجرد وضع الأصابع ، بل هو تعليل للحال التي هم عليها ، والتي كان وضع الأصابع في الآذان أثرا من آثارها ، أو مظهرا من مظاهرها . فهي ذعر دائم من ظلمات متكاثفة من سحاب داكن ، وليل معتم ، وأمطار منهمرة ، ورعد وبرق وسحاب ، حتى توهموا أن وضع الأصابع في الأذن فلا يسمعوا صوت الصواعق والرعد - قد يدفع الموت . فهم يفعلونه حذر الموت .

                                                          وقد بين سبحانه من بعد ذلك أن الله تعالى محيط بهم ، والإحاطة معناها هنا السلطان والاستيلاء والقوة ، فيقال أحاط به السلطان أي أخذه ، ولم ينج منه ، وهي مجاز يراد به ألا يفوتوه ، وقد تطلق الإحاطة ويراد بها الهلاك ، كما قال تعالى : إلا أن يحاط بكم أي تهلكوا فمعنى والله محيط بالكافرين أي هم في قبضته ، إن أراد أهلكهم ، كما قال تعالى : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة .

                                                          والمعنى على ذلك : إنهم يحذرون الموت ، ولا حذر منه ، ولا ينجيهم الحذر ، فإن الله تعالى محيط بهم ، لا يفلتون ، وذكر الكافرين هنا لأنهم كافرون أمقت النفاق ، فذكر وصف الكافرين إرهاب لهم أشد إرهاب ، وأنه جزاء ما يفعلون في الدنيا ، ويستقبلون في الآخرة عذابا أليما عظيما .

                                                          [ ص: 151 ] وصور سبحانه وتعالى قوة البرق وأثرها في نفوسهم بقوله تعالى : يكاد البرق يخطف أبصارهم والخطف معناه الأخذ السريع ; ولذلك يطلق على الطائر إنه الخطاف لسرعة أخذه ، وخطف من باب فرح ، وهي اللغة الفصيحة السائغة في لغة العرب ، وهناك لغة تجعلها من باب ضرب ، فيقال خطف يخطف ، وقد قرئ بها فهما قراءتان ، وقالها الأخفش ، فروي أن الأخفش قال : خطف يخطف ، ولكن قال الجوهري : وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف .

                                                          وعندي أنه إذا كانت هناك قراءة بكسر الطاء لا يليق أن تذكر بأنها رديئة ، وقد روي أنه قرأ بها علي زين العابدين ، ويحيى بن وثاب ، وقرأ بها يونس ، والأولى أن يقال إنهما لغتان في حركة الطاء . هذا والآية الكريمة تصور شدة البرق من حيث إنه يكاد يخطف الأبصار ويذهبها لشدته ، كما في قوله : يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، أي يكاد البرق يأخذ أبصارهم سريعا ، فلا يبصرون ، وكانت السرعة في أخذه ، لأنه ومضات تجيء سريعة وتختفي سريعا ، ولا تبقى طويلا .

                                                          كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي كلما كان البرق كان الضوء المنير ، فعندئذ يمشون فيه مطمئنين غير مسرعين ; لأن المشي إذا اشتد كان سعيا ، وإذا اشتد السعي كان عدوا ، فكلما أضاء ساروا فيه سير اطمئنان ، وإذا أظلم أي إذا انطفأ فأظلم الجو ، وصار ظلاما - قاموا - أي وقفوا ساكنين سكون الحيارى راكدين ، فهو قيام الحائر الراكد الذي لا يدري ما الله فاعل ، وعبر في الإضاءة بكلما لأنها مكررة بتكرر البرق ، ولأنها حركة تغدو وتروح ، فإذا جاء البرق وذهب توقعوا عودته ، أما الإظلام فلا يطلبونه ، وهو حال سلبية لا تجدد فيها ، لا يطلبون ، وقاموا تتضمن السكون والبقاء على ما هم عليه متحيرين مضطربين .

                                                          ولو شاء الله لذهب بسمعهم لو شاء سبحانه وتعالى أن يذهب بسمعهم بالرعد والصواعق أو ببصرهم بالبرق الخاطف لذهب بها ، أي لأخذها كما أعطاها ، فقوله تعالى : لذهب بسمعهم وأبصارهم معناه لاستردها ، وأعادهم صما وعميا ، [ ص: 152 ] كما قال تعالى والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون .

                                                          ثم ذيل سبحانه وتعالى الآيات الكريمات بكمال قدرته ، فقال تعالت كلماته : إن الله على كل شيء قدير وذلك التذييل لتأكيد قدرة الله تعالى على إذهاب سمعهم وأبصارهم ، وكل قواهم ، وقد أكد سبحانه قدرته القاهرة فوق عباده بعدة مؤكدات : بالجملة الاسمية أولا ، وبـ " إن " ثانيا ، وبذكر لفظ الجلالة الذي يدل على أنه مالك الوجود ، ومالك كل موجود ، وعموم قدرته على الأشياء كلها إنه علي حكيم .

                                                          وهذه الأخبار كلها - من نزول الصيب المنهمر انهمارا ، والظلمات المتكاثفة والرعد والبرق ، وكون الأبصار يكاد سبحانه وتعالى يخطفها ، أهي مجاز لأمور معنوية ؟ ، أم هي حقائق وليست مجازا ; ونقول إن هناك استعارة تمثيلية في جملة القول ، ولا مانع أن تكون في كل جملة مجازا ، ويتكون من هذه المجازات الصورة التمثيلية الكبرى .

                                                          ويميل إلى ذلك أكثر المفسرين ، يقول الفراء في قوله تعالى : كلما أضاء لهم مشوا فيه : أنهم كانوا كلما سمعوا القرآن ، وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه ، فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ، ويضلون به ، أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم .

                                                          وروي عن ابن عباس " المعنى أنه كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم ، وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك " .

                                                          وكذلك يفسر الصيب بالقرآن حياة الأرواح ، والظلمات والرعد والبرق بما يكرهون به أنفسهم مما يحسبونه شرا عليهم من نصر للمؤمنين ، وتمكين للإيمان ، وهكذا .

                                                          وإن الحق هو أن المثل كله استعارة تمثيلية ، أو تشبيه تمثيلي ، فقد شبهت حالهم من أن القرآن ينزل في المؤمنين وهم جيرانهم ومعاشروهم ، وفيه ماء الحياة الذي [ ص: 153 ] يحيي القلوب ويغذيهم . وأنالهم العبر والمثلات من تأييد الله تعالى ، ونصره الدائم المستمر للمؤمنين ، والخذلان الدائم لهم ، وما يقرعهم من آيات بينات ، وما يجيء إليهم من بلايا بسبب الخزايا التي تنزل بهم كالرعد الذي يقرع الأسماع والبينات تجيء إليهم نورا يسيرون فيه ، ثم تظلم قلوبهم وينطفئ نور الحق بينهم .

                                                          شبهت حالهم والعلم البين بين أيديهم بحال قوم نزل عليهم غيث منهمر فيه ظلمات ورعد وبرق وصواعق ، ومع ذلك لم ينتفعوا ولم يهتدوا .

                                                          فالكلام الكريم ، فيه تشبيه حال بحال ، وما فيه من مثل قوله تعالى : والله محيط بالكافرين وقوله : ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إنما هو من ترشيح الاستعارة ، والترشيح هو ذكر الأوصاف المختصة بالمشبه به ، كما إذا قلت عن شجاع : إنه ليث ، ثم قلت : له لبد ، أظفاره لم تقلم ، فإن ذلك تقوية للاستعارة بذكر أوصاف خاصة بالمشبه به . والله أعلم .

                                                          * * *

                                                          العبادة والقدرة والكتاب

                                                          ذكر الله تعالى في أول السورة مكانة الكتاب ، وأوصاف المتقين ثم أوصاف الذين كفروا ، ثم ذكر أوصاف المنافقين ، لأنهم شر هذا الوجود الإنساني ، وداؤه ، ويكمن فيهم سبب فساده .

                                                          بعد ذلك ذكر الله واجب العبادة ، ومقام كتابه ، فقال تعالى : * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية