الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ردة أهل عمان ومهرة

قد اختلف في تاريخ حرب المسلمين هؤلاء المرتدين ، فقال ابن إسحاق : كان فتح اليمامة واليمن والبحرين وبعث الجنود إلى الشام سنة اثنتي عشرة . وقال أبو معشر ، ويزيد بن عياض بن جعدبة ، وأبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر : إن فتوح الردة كلها لخالد وغيره سنة إحدى عشرة ، إلا أمر ربيعة بن بجير ؛ فإنه كان سنة ثلاث عشرة ، وقصته : أنه بلغ خالد بن الوليد أن ربيعة بالمصيخ والحصيد في جمع من المرتدين ، فقاتله وغنم وسبى وأصاب ابنة لربيعة ، فبعث بها إلى أبي بكر ، فصارت إلى علي بن أبي طالب .

وأما عمان فإنه نبغ بها ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي ، وكان يسامي في الجاهلية الجلندى ، وادعى بمثل ما ادعى من تنبأ ، وغلب على عمان مرتدا ، والتجأ جيفر وعياذ إلى الجبال ، وبعث جيفر إلى أبي بكر يخبره ويستمده عليه ، وبعث أبو بكر حذيفة بن محصن الغلفاني من حمير ، وعرفجة البارقي من الأزد ؛ حذيفة إلى عمان ، وعرفجة إلى مهرة ، وكل منهما أمير على صاحبه في وجهه ، فإذا قربا من عمان يكاتبان جيفرا . فسار إلى عمان ، وأرسل أبو بكر إلى عكرمة بن أبي جهل ، وكان بعثه إلى اليمامة ، فأصيب . فأرسل إليه أن يلحق بحذيفة وعرفجة بمن معه يساعدهما على أهل عمان ومهرة ، فإذا فرغوا منهم سار إلى اليمن . فلحقهما عكرمة قبل عمان ، فلما وصلوا رجاما ، وهي قريب [ ص: 226 ] من عمان ، كاتبوا جيفرا وعياذا ، وجمع لقيط جموعه وعسكر بدبا ، وخرج جيفر وعياذ وعسكرا بصحار ، وأرسلا إلى حذيفة وعكرمة وعرفجة ، فقدموا عليهما ، وكاتبوا رؤساء من لقيط وارفضوا عنه ، ثم التقوا على دبا ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، واستعلى لقيط ، ورأى المسلمون الخلل ، ورأى المشركون الظفر . فبينما هم كذلك جاءت المسلمين موادهم العظمى من بني ناجية ، وعليهم الخريت بن راشد ، ومن عبد القيس وعليهم سيحان بن وصحان ، وغيرهم ، فقوى الله المسلمين ، فولى المشركون الأدبار ، فقتل منهم في المعركة عشرة آلاف ، وركبوهم حتى أثخنوا فيهم ، وسبوا الذراري وقسموا الأموال ، وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة ، وأقام حذيفة بعمان يسكن الناس .

وأما مهرة فإن عكرمة بن أبي جهل سار إليهم لما فرغ من عمان ومعه من استنصر من ناجية وعبد القيس وراسب وسعد ، فاقتحم عليهم بلادهم ، فوافق بها جمعين من مهرة ؛ أحدهما مع سخريت ، رجل منهم ، والثاني مع المصبح ، أحد بني محارب ، ومعظم الناس معه ، وكانا مختلفين . فكاتب عكرمة سخريتا ، فأجابه وأسلم ، وكاتب المصبح يدعوه فلم يجب ، فقاتله قتالا شديدا ، فانهزم المرتدون وقتل رئيسهم ، وركبهم المسلمون فقتلوا من شاءوا منهم ، وأصابوا ما شاءوا من الغنائم ، وبعث الأخماس إلى أبي بكر مع سخريت ، وازداد عكرمة وجنده قوة بالظهر والمتاع ، وأقام عكرمة حتى اجتمع الناس على الذي يحب ، وبايعوا على الإسلام .

( دبا بفتح الباء الموحدة المخففة ، وفتح الدال المهملة . والخريت بكسر الخاء المعجمة ، وتشديد الراء المهملة المكسورة ، ثم ياء مثناة من تحتها ، وآخره تاء . وسيحان بفتح السين المهملة ، وبالياء المثناة من تحت ، وبالحاء المهملة ، وآخره نون ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية