الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ثم أخبر بوقت ذلك العذاب؛ فقال: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ؛ أي: يثبت لهم العذاب ذلك اليوم؛ وابيضاضها إشراقها؛ وإسفارها؛ قال الله - عز وجل -: وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ؛ أسفرت؛ واستبشرت لما تصير إليه من ثواب الله؛ ورحمته؛ وتسود وجوه؛ اسودادها لما تصير إليه من العذاب؛ قال الله: ووجوه يومئذ عليها غبرة [ ص: 454 ] والكلام: " تسود " ؛ و " تبيض " ؛ بفتح التاء؛ الأصل: " تسودد " ؛ و " تبيضض " ؛ إلا أن الحرفين إذا اجتمعا؛ وتحركا؛ أدغم الأول في الثاني؛ وكثير من العرب تكسر هذه التاء من " تسود " ؛ و " تبيض " ؛ والقراءة بالفتح؛ والكسر قليل؛ إلا أن كثيرا من العرب يكسر هذه التاء؛ ليبين أنها من قولك: " أبيض " ؛ و " أسود " ؛ فكأن الكسرة دليل على أنه كذلك في الماضي؛ وقرأ بعضهم: " تسواد " ؛ و " تبياض " ؛ وهو جيد في العربية؛ إلا أن المصحف ليست فيه ألف؛ فأنا أكرهها لخلافه؛ على أنه قد تحذف ألفات في القرآن؛ نحو ألف " إبراهيم " ؛ و " إسماعيل " ؛ ونحو ألف " الرحمن " ; ولكن الإجماع على إثبات هذه الألفات المحذوفة في الكتاب في اللفظ؛ و " تبيض " ؛ و " تسود " ؛ إجماع بغير ألف؛ فلا ينبغي أن يقرأ بإثبات الألف.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - جل وعلا -: فأما الذين اسودت وجوههم ؛ تدل على أن القراءة: " تسود " ؛ ومن قرأ بالألف: " تسواد " ؛ و " تبياض " ؛ وجب أن يقرأ: " فأما الذين اسوادت وجوههم " ؛ وجواب " أما " ؛ محذوف مع القول؛ المعنى: فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم ؛ وحذف القول لأن في الكلام دليلا عليه؛ وهذا كثير في القرآن؛ كقوله - عز وجل -: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ؛ المعنى: يقولون: [ ص: 455 ] سلام عليكم؛ وكذلك قوله: وإسماعيل ربنا تقبل منا ؛ المعنى: يقولان: ربنا تقبل منا؛ هذه الألف لفظها لفظ الاستفهام؛ ومعناها التقرير؛ والتوبيخ؛ وإنما قيل لهم: أكفرتم بعد إيمانكم ؛ لأنهم كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وقد كانوا به مؤمنين قبل مبعثه؛ وهذا خطاب لأهل الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية