الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (83) قوله تعالى : أفغير دين الله يبغون : قد تقدم أن الجمهور يجعلون الهمزة مقدمة على الفاء للزومها الصدر ، والزمخشري يقرها على حالها ويقدر محذوفا قبلها ، وهنا جوز وجهين ، أحدهما : أن تكون الفاء عاطفة جملة على جملة ، والمعنى : فأولئك هم الفاسقون فغير دين الله يبغون ، ثم توسطت الهمزة بينهما . والثاني : أن يعطف على محذوف تقديره : أيتولون فغير دين الله يبغون ، وقدم المفعول الذي هو "غير " على فعله لأنه أهم من حيث إن الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل ، هذا كلام الزمخشري . قال الشيخ : "ولا تحقيق فيه لأن الإنكار الذي هو معنى الهمزة لا يتوجه إلى الذوات ، إنما يتوجه إلى الأفعال التي تتعلق بالذوات ، فالذي أنكر إما هو الابتغاء الذي متعلقه غير دين الله ، وإنما جاء تقديم [ ص: 296 ] المفعول من باب الاتساع ، ولشبه يبغون بالفاصلة بآخر الفعل " قلت : وأين المعنى من المعنى ؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم : "يبغون " بالياء من تحت نسقا على قوله : هم الفاسقون والباقون بياء الخطاب التفاتا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وله أسلم من في السماوات جملة حالية أي : كيف يبغون غير دينه والحال هذه ؟

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : طوعا وكرها فيهما وجهان أحدهما : أنهما مصدران في موضع الحال والتقدير : طائعين وكارهين . والثاني : أنهما مصدران على غير الصدر ، قال أبو البقاء : "لأن أسلم بمعنى انقاد وأطاع " ، وتابع الشيخ على هذا ، وفيه نظر من حيث إن هذا ماش في "طوعا " لموافقته لمعنى الفعل قبله ، وأما "كرها " فكيف يقال فيه ذلك ، والقول بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل غير نافع هنا . ويقال : طاع يطوع ، وأطاع يطيع بمعنى . وقيل : طاعه يطوعه انقاد له ، وأطاعه أي : رضي لأمره ، وطاوعه أي : وافقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعمش : "كرها " بالضم ، وسيأتي أنها قراءة للأخوين في سورة النساء ، وللكوفيين وابن ذكوان في الأحقاف ، وهناك تكلمنا عليها ، وتقدم لنا أيضا ذكر هذه المادة في البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 297 ] قوله : وإليه يرجعون يجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة فلا محل لها ، وإنما سيقت للإخبار بذلك لتضمنها معنى التهديد العظيم والوعيد الشديد ، ويجوز أن تكون معطوفة على الجملة من قوله : وله أسلم فتكون حالا أيضا ، ويكون المعنى أنه نعى عليهم ابتغاء غير دين من أسلم له جميع من في السماوات والأرض طائعين ومكرهين ومن مرجعهم إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ حفص عن عاصم : "يرجعون " بياء الغيبة ويحتمل ذلك وجوها . أحدها : أن يعود الضمير على من أسلم وهو واضح . الثاني : أن يعود على من عاد عليه ضمير "يبغون " في قراءة من قرأه بالغيبة ، وهو أيضا واضح ، ولا التفات في هذين الوجهين . والثالث : أن يعود على من عاد إليه الضمير في "تبغون " في قراءة الخطاب فيكون التفاتا حينئذ . وقرأ الباقون : "تبغون " بالخطاب ، فمن قرأ "تبغون " بالخطاب فهو واضح ، ومن قرأه بالغيبة فيكون هذا التفاتا منه ، ويجوز أن يكون التفاتا من قوله : من في السماوات والأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية